[تفسير قوله تعالى: (كلا إن كتاب الفجار)]
قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} [المطففين:٧-٨] .
(كلا) إذا وردت في القرآن لها معانٍ حسب السياق؛ قد تكون حرف ردع وزجر، وقد تكون بمعنى: حقاً، وقد يكون لها معانٍ أخرى يدل عليها السياق؛ لأن الكلمات في اللغة العربية ليس لها معنىً ذاتياً لا تتجاوزه، بل كثير من الكلمات العربية لها معانٍ تختلف بحسب سياق الكلام.
في هذه الآية يقول تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} [المطففين:٧-٨] فتحتمل أن تكون بمعنى: حقاً إن كتاب الفجار لفي سجين، أو تكون بمعنى الردع عن التكذيب بيوم الدين، وعلى كل حال بيَّن الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن كتاب الفجار لفي سجين، والسجين قال العلماء: إنه مأخوذ من السجن وهو الضيق؛ أي: في مكان ضيق.
وهذا المكان الضيق هو نار جهنم -والعياذ بالله- كما قال الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} [الفرقان:١٣-١٤] ، وجاء في حديث البراء بن عازب الطويل المشهور في قصة المحتضر وما يكون بعد الموت أن الله سبحانه وتعالى يقول: (اكتبوا كتاب عبدي في سجين) أي: الكافر في الأرض السابعة السفلى، فسجين هو أسفل ما يكون من الأرض الذي هو مقر النار نعوذ بالله منها؛ فهذا الكتاب في سجين.
ثم عظم الله عز وجل هذا السجين بقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} [المطففين:٨] فالاستفهام هنا للتعظيم، أي: ما الذي أعلمك بسجين؟ وهل بحثت عنه؟ وهل سألت عنه حتى بُين لك؟ والتعظيم قد يكون لعظمة الشيء رفعة، وقد يكون لعظمة الشيء نزولاً، وهذا التعظيم في سجين ليس لرفعته وعلوه، ولكنه لسفوله ونزوله.
ثم قال تعالى: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين:٩] (كتاب) لا يعود على سجين، وإنما يعود على كتاب في قوله: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ} [المطففين:٧] فما هذا الكتاب؟ قال: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين:٩] أي: مكتوب لا يزاد فيه ولا ينقص، ولا يبدل ولا يُغير، بل هذا مآلهم ومقرهم -والعياذ بالله- أبد الآبدين.