تفسير قوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان)
ثم قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المجادلة:٩] لما ذكر الله عن حال اليهود أنهم يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول نهى المؤمنين أن يكونوا مثلهم، فقال:{فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} وضد ذلك: {وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى}(بالبر) أي: فعل الخير، (والتقوى) اجتناب الشر.
أي: ليناجِ بعضكم بعضاً بما فيه الخير، إما براً يأمرون به، وإما محرماً يأمرون بتقواه واجتنابه {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} اتقوا الله تعالى يعني: أطيعوا الله، لأن التقوى هي: اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لأنه لا شيء يقي من عذاب الله إلا هذا.
قوله تعالى:{الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي: تجمعون إليه يوم القيامة فإن الله تبارك وتعالى يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد متساو، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر نحن في الدنيا لسنا على أرض متساوية، بل على أرض تشبه الكرة ولذلك لا ينفذ البصر إلى ما وراء المنحنى: منحنى الكرة ولا يسمع الداعي، لكن في الآخرة يقول الله عز وجل:{وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ}[الانشقاق:٣] يعني: تمد مداً واحداً ليس فيها جبال ولا انحناء ولا مساكن، ولهذا يسمعهم الداعي لأنه لا يوجد شيء يرد الصوت، وينفذهم البصر: يرى أقصاهم كما يرى أدناهم فيحشر الخلائق كلهم على هذه الأرض المسطوحة، لا جبال ولا أنهار ولا شعاب ولا غيرها.
وفي قوله: وقوله: {الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} منه إثبات المعاد وهو اليوم الآخر، والإيمان به أحد أركان الإيمان الستة.
وأركان الإيمان هي: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، فمن أنكر البعث فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، بل من شك فيه فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، فلينقذ نفسه قبل الموت، وليوطنها على الإيمان باليوم الآخر، فنحن نحشر إلى الله ونبعث يوم القيامة ونجازى بأعمالنا إن خيراً فخير وإن شراً فشر.