[المقصود بالأمر في قوله تعالى:(وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها)]
قول الله تعالى:{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً}[الإسراء:١٦] ما المقصود بالأمر هنا؟
المراد بالأمر هنا الأمر الكوني؛ لأن الأمر يطلق على الأمر الشرعي مثل قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا}[الشورى:٥٢] ، ومثل قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}[النحل:٩٠]{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[النساء:٥٨] .
ويطلق على الأمر الكوني، كما في قوله تعالى:{وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}[القمر:٥٠] فالمراد بالأمر هنا الأمر الكوني، فإذا أراد الله تعالى أن يهلك قرية أمر مترفيها أمراً كونياً ففسقوا، وحينئذٍ يحق عليها القول فتدمر.
وفي الآية: التحذير الشديد من عقوبة غير المترفين، من عقوبة الطائعين؛ لأنه قال:(أمرنا مترفيها ففسقوا) أي: المترفون، (فحق عليها القول) وهذا يشهد له قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً}[الإسراء:١٦] ومنها قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الأنفال:٢٥] .
وأما قول بعض العلماء عفا الله عنهم: إن المراد بالأمر في الآية الأمر الشرعي، والمعنى: أمرناهم ونهيناهم ففسقوا، فهذا مستحيل على الله عز وجل أن يأمر وينهى ليهلك، فهذا غير صحيح، بل هو يأمر وينهى ليرحم سبحانه وتعالى.
فالقول: إن المراد به الأمر الشرعي قولٌ ضعيفٌ جداً، ومن تأمله عرف أنه لا يليق بالله سبحانه وتعالى أن يأمر أمةً وينهاها من أجل أن تفسق فيعذبها، فصار الغاية من الشرائع على هذا القول العذاب، والغاية من الشرائع الرحمة، المهم أنه يتعين أن يكون بالمراد هنا الأمر الكوني القدري.