حكم من اشترى شيئاً لرجل آخر ليبيعه إياه بزيادة في الأجل
إذا كان هناك شخص -مثلاً- يدين سيارات، يذهب هو والشخص الذي يريد سيارة فيحدد نوعها الشخص الذي يريد أن يتدين، فإذا أرادها الشخص الذي سوف يشتريها مثلاً يشغلها ويحركها عن مكانها وينظر فيها ومن ثم يشتريها ويبيعها من الشخص الذي يريدها بثمن زائد عن سعرها في الوكالة هل يجوز هذا العمل؟
لا، هذا لا يجوز، هذه المسألة صورتها أن شخصاً احتاج سيارة وليس عنده دراهم فذهب إلى تاجر وقال: أنا أريد السيارة الفلانية اشترها لي وآخذها منك إلى أجل بزيادة، هذا محرم، لأنه حيلة؛ فالتاجر إنما اشتراها من أجل الرجل الذي جاء يطلبها وليست عنده من الأول، فإذا كان اشتراها من أجل أن يبيعها عليه بمؤجل مع الزيادة فهذا هو عين الربا، لكنه بدل ما يكون صريحاً صار خداعاً وحيلة، فبدلاً من أن يقول: يا أيها المحتاج إلى السيارة! هذه خمسون ألف ريال اشتر بها السيارة وهذه الخمسون عليك بستين إلى سنة، قال: أنا أشتري السيارة ثم أبيعها لك.
فقد اشتراها التاجر من أجل المحتاج هذا ولم يشترها من أجل المحتاج رأفة به، ولهذا يبيعها بزيادة، وهذه لا شك أنها أخبث مما لو قال خذ خمسين ألف ريال وهي عليك بستين ألف ريال، وإنما كانت أخبث لأنها مبنية على الخداع، ومفسدة الربا متحققة فيها، ولا يمكن للربا العظيم الذي رتب الله عليه من العقوبة ما لم يرتب على ذنب دون الكفر، لا يمكن أن يكون حلالاً بمثل هذه الطريقة، لا يمكن للشخص أن يقول هكذا.
مثلما قال بعضهم: أنا سأشتري مثلاً ذهباً زنته مائة غرام بذهب زنته ثمانون غراماً، وأنوي العشرين الغرام أنها هبة وتبرعاً.
هل هذا معقول؟ ليس بمعقول؛ لأننا لو قلنا: هذا جائز كان كل شخص يقدر على الربا ولا يهمه، ولا تغتر بفتوى من قال بالجواز في المسألة الأولى، فإنه لو تأمل المسألة حق التأمل لوجد أنها حيلة واضحة جداً على الربا، وأنه لا يمكن لهذه الشريعة العظيمة العزيزة الجانب أن تتنزل حتى تحل هذه المعاملة مع تحريم الربا.
السائل: إذا كان صاحب السيارة يحتج بأنه لا يجبر المشتري؟ الشيخ: كلمة (لا يجبر) لغو لا فائدة لها، هل هذا الذي جاء يطلب السيارة هل يمكن يهون هو الذي محتاج إلى السيارة، ما يمكن يهون، وقوله: لو هون ما أجبره.
هذه كلها كلمة لا يمكن أن ينخدع بها المؤمن أبداً، ولهذا يقال لي: إن هذا الرجل إذا هون يأخذونه على إغماضه ويكتبون اسمه في القائمة السوداء، فلا يعاملونه بعد ذلك، مع أنه ما يهون، وهناك شروط تكتب عليه ما يمكنه من التهوين.
والمهم أنه يجب علينا قبل أن نعمل الأعمال أن ننظر من سنعامل، ألسنا نعامل رب العالمين، يجب أن نعلم أنه سبحانه وتعالى عليم بالسرائر، وأن نبيه محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:(إنما الأعمال بالنيات) وانظر إلى اليهود لما حرمت عليهم الشحوم، أذابوا الشحم ثم جعلوه ودكاً ثم باعوه وأكلوا ثمنه، ما أكلوا الشحم ولا أكلوا الودك، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(قاتل الله اليهود) وصدق رسول الله حيث قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم) نحن بهذه المعاملات وأشباهها ارتكبنا ما ارتكبت اليهود، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) .