إن الإنسان العاقل يجب عليه أن يعتبر ما يستقبل فيما مضى، فالعام المنصرم مضى وكأنه ساعة من نهار، كأنه لحظة من اللحظات، وهكذا العام المستقبل سوف يكون كصاحبه، سيمضى سريعاً، فعلينا أن نعقد العزم والجد والاجتهاد على ما ينفعنا في ديننا ودنيانا في العمل الصالح واجتناب المحرم عسى أن نستدرك ما فات، وبقية عمر المؤمن لا قيمة له، والأعمال بالخواتيم.
ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق:(أن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) حتى لا يبقى عليه وينتهي أجله، وليس المعنى: حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع من حيث العمل، يعني: أن عمله سوف يدنيه من الجنة، المعنى: حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع بالنسبة لأجله، ثم يسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار، أما لو عمل بعمل أهل الجنة حقيقة حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع من حيث العمل، فإن الله تعالى لن يخيب سعيه (ومن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً) .
ومحال في حكمة الله ورحمته أن يخذل شخصاً أمضى عمره في طاعة الله حتى لا يبقى إلا ذراع، لكن هذا مراد الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع، يعني: من حيث الأجل لكنه يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس -أعوذ بالله- وهو من أهل النار، نسأل الله العافية.
ويشهد لهذا الحديث الثابت عند البخاري وغيره:(أن رجلاً كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة وكان رجلاً شجاعاً مقداماً يغبطه الصحابة وينظرون إليه نظر إجلال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام: هذا من أهل النار، فعظم ذلك على الصحابة -لماذا؟ لأنه رجل شجاع مقدام لا يدع شاذة للعدو ولا فاذة إلا قضى عليها، فإذا كان هذا من أهل النار وهو بهذه المثابة في الجهاد؛ فكيف بمن دونه- فقال أحدهم: والله! لألزمنه -يعني: لأكونن قريناً له حتى أنظر ماذا يكون الرجل؟ .
ماذا تكون حاله؟ - يقول: فأصيب بسهم، فجزع -وكأنه والله أعلم جزع لأنه رجل مقدام شجاع، والشجاع لا يرضى أن يهزم- جزع فسل سيفه ثم وضعه على صدره واتكأ عليه حتى طلع من ظهره -والعياذ بالله- فقتل نفسه -وقاتل نفسه في النار- فرجع الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أشهد أنك رسول الله، قال: وبم؟ قال: إن الرجل الذي قلت: إنه من أهل النار فعل كيت وكيت، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) .
أصلح الله لنا ولكم السرائر والظواهر، فالعمل على السريرة على سريرة القلب، طهر القلب؛ تطهر الجوارح! والقلب هو الذي يبتلى يوم القيامة كما قال الله تعالى:{أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}[العاديات:٩-١٠] ، وقال تعالى:{إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}[الطارق:٨-٩] فعليك -يا أخي المسلم- بتطهير قلبك وتنقيته من الشك والشرك، والنفاق والحقد على المسلمين، والبغضاء والعداوة، حتى يطهر ظاهرك وباطنك.