رجل بجواره مزرعة أراد أن يشتريها فذهب إلى أحد المصارف وطلب منهم أن يشتروها له، فقالوا له: نرسل معك مندوباً يقدرها ثم نبيعها عليك، كيف يكون هذا؟
هذا عمل محرم، يعني: كون الإنسان يعين السلعة ثم يذهب إلى التاجر ويقول: اشترها لي، فيشتريها التاجر ثم يبيعها عليه بثمن مؤجل أي: مقسط أكثر من ثمنها الحاضر، فهذا ربا؛ ولكنه ربا فيه خداع لله عز وجل ومكر بآيات الله؛ لأنه بدل من أن يقول: خذ قيمتها الآن مائة ألف وأعطني بعد سنة مائة وعشرين ألفاً فهو ذهب يشتريها شراءً غير مراد، هذا التاجر ما أرادها إطلاقاً، ما اشتراها إلا من أجل أن يربح منك، فهو لم يشترها إحساناً إليك، ولم يشترها إلا من أجل هذه الزيادة التي أخذها عليك، فهي ربا لكنه ربا خداع، وربا الخداع لا يزداد إلا قبحاً وإثماً، الربا الخداع أشد من الربا الصريح؛ لأنه تضمن مفسدتين: المفسدة الأولى: مفسدة الربا، وهي: الزيادة المفسدة الثانية: فيه مخادعة لله رب العالمين الذي يعلم ما في القلوب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيَّن الحق، قال:(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) ، لو كان هذا التاجر يريد الإحسان إليك لقال: خذ هذه الدراهم قرضاً عليك بدون زيادة، لكن إذا كانت السلعة عند التاجر من الأصل وجئت أنت إليه واشتريت ما يساوي ألفاً بألف ومائة، أو بألف ومائتين هذا لا بأس به، أما في هذه الصورة التي ذكرها السائل، فإنها حرام ولا تحل.
وأنا أسألكم الآن: هل هذه الحيلة أقرب إلى الحرام، أو حيلة اليهود الذين قيل لهم: لا تصيدوا السمك في يوم السبت، ثم ابتلاهم الله فصار السمك يأتي يوم السبت ويغيب غير يوم السبت، فطال عليهم الأمد فقالوا: دبروا لنا حيلة فاحتالوا وصاروا يضعون شبكاً يوم الجمعة وتأتي السمك يوم السبت وتقع في هذا الشبك، فإذا كان يوم الأحد أخذوا السمك وقالوا: نحن ما صدنا يوم السبت، فبماذا عاقبهم الله؟ قال:{كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}[البقرة:٦٥] فأصبحوا قردة يتعاوون -والعياذ بالله- هذه واحدة.
ثانياً: حرم الله عليهم الشحوم، قالوا: ما نأكلها فأذابوها وجعلوها ودكاً، ثم باعوها وأكلوا ثمنها، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(قاتل الله اليهود لما حرم الله عليهم شحوم الميتة أذابوها ثم باعوها فأكلوا ثمنها) لو قست هذه الحيلة اليهودية بهذه الحيلة التي ذكرها السائل لوجدت أن الحيلة التي ذكرها السائل أقرب إلى الحرام من حيلة اليهود، ولكن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:(لتركبن سنن من كان قبلكم) وليس من اللازم من ركوب السنن أن نكفر كما كفروا، إذا أخذنا من أخلاقهم شيئاً فقد ارتكبنا طريقهم في هذا الشيء.
الحسد -مثلاً- من أخلاق اليهود، فالحاسد عنده شبه من اليهود في الحسد، كتمان الحق من أخلاق اليهود، هم الذين يكتمون ما أنزل الله، تحريف الكلم عن مواضعه أي: تفسير القرآن بغير ما أراد الله عز وجل، أو السنة بغير ما أراد رسول الله، هذا من أخلاق اليهود فقوله:(لتركبن سنن من كان قبلكم) ليس المراد أننا نكفر كما كفروا، وإنما نأخذ من كل شيء من أخلاقهم بنصيب، فوجد في هذه الأمة الحسد، ووجد فيها الحيل، ووجد فيها الغش، ووجد فيها تحريف الكلم عن مواضعه، ووجد فيها كتمان الحق.
فعليك يا أخي! أن تنقذ نفسك من أخلاق اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار حتى تسلم وتكون مسلماً لله حقاً.
المهم أن هذه المعاملة حرام على المعطي وعلى الآخذ؛ لأن الربا يستوي فيه الآكل والموكل، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه:(لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) .