يوجد في مدينتنا بعض الشباب الطيب الذين يلبسون العمامة وخاصة في المناسبات كالجمع والأعياد، وقمنا بالحديث معهم بأن لبسها ليس بسنة، وإنما هذا راجع إلى عرف البلد، وأنها قد يكون لباس شهرة وتميز في الوقت الحالي، وكان جوابهم أن هذا لبس الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد فعله ولنا فيه قدوة، والناس لما بعدوا عن الدين استنكروا هذا اللباس، فما رأيكم وتوجيهكم في هذا الأمر حفظكم الله ورعاكم؟
رأينا أن هذا القول يحتاج إلى تعمق في الفقه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس العمامة، ولبس الإزار، ولبس الرداء؛ لأن الناس كانوا يلبسونه، ومعنى ذلك: أن لبس ما اعتاده الناس ولم يكن محرماً بعينه فهو سنة.
أما ما كان محرماً بنوعه كالحرير للرجال، أو بصفته كلبس الرجال ما ينزل عن الكعب؛ فهذا لا يجوز ولو اعتاده الناس، لكن ما كان مباحاً وكان من عادة الناس؛ فإن السنة أن تلبس كما يلبسون؛ لأنك لو خرجت عن ذلك لصار شُهرة، ولا يمكن لأي إنسان أن يأتي بدليل على أن الرسول أمر بالعمامة، ولو أمر بها لعلمنا أنها عبادة؛ لأن كل ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو عبادة إلا في أشياء دل الدليل على أنها للإباحة، ولكن لا يوجد أي حديث يأمر بلبسها، إنما هي من فعل الرسول؛ لأن الناس كانوا يعتادون هذا، وقل لهؤلاء الإخوة: إذاً البسوا إزاراً ورداءً؛ لأن الرسول صلى عليه وسلم كان يلبس إزاراً ورداءً ويلبس القميص أحياناً.
فنقول للإخوة: إن فعلكم هذا شهرة ولا سيما إذا كان في المناسبات، وكأن الفاعل يقول للناس: انظروا إليَّ فإني أنا صاحب السنة، ومن ليس عليه هذا اللباس؛ فليس على السنة، هذا لسان حاله؛ وإن لم يذكره بلسان مقاله.
فنصيحتي لهم أن يلبسوا كما يلبس الناس، وهاهم علماؤنا السابقون واللاحقون ما رأينا أحداً منهم يفعل ذلك، وهم على جانب من الصلاح، والتقى، والعلم، والحرص على التمسك بالسنة، وهم أفقه من هؤلاء بلا شك.
وأقول: بلغهم أننا نشكرهم على حصرهم على اتباع السنة، ولكن أحب أن يتعمقوا في السنة أولاً، ويعرفوا ما يريده الشرع من اتحاد الناس واتفاقهم، وعدم اختلافهم حتى في الزي، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهرة في اللباس فقال:(من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوباً مثله ثم ألهب فيه النار) .