[تحريم بخس الناس أشياءهم]
فضيلة الشيخ: إن كثيراً من العمال الذين أتوا للخدمة في هذه البلاد يخالطوننا؛ يعملون معنا في المدارس والمساجد وكثيراً ما تُبخس حقوقهم، وقد تؤخر رواتبهم شهوراً كثيرة، حتى إن بعضهم أراد الحج في هذه السنة فأبى كفلاؤهم إلا أن يوقعوا على استلام رواتبهم لمدة عشرة أشهر أو يزيد، سؤالي هو: ماذا يجب علينا في إنكار هذا المنكر؟ وهل تبرأ ذممنا إذا أبلغنا المسئولين من قبل الحكومة عن ذلك؟
الواقع أن سؤال الأخ هذا سؤال مهم إذ يقع فيه من الكفلاء كثيرون، وما أكثر الشكاوي التي ترفع إلينا وإلى غيرنا في هذا الموضوع، والحقيقة أنها ظاهرة خطيرة يخشى معها أن نصاب بنقمة من الله عز وجل تعم الصالح والطالح؛ لأن بخس الناس حقوقهم أمر خطير، فقد أرسل الله تعالى رسولاً من أجل إزالة هذا البخس، وهو شعيب عليه السلام: {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} [الأعراف:٨٥] .
وبخس الناس أشياءهم فساد في الأرض؛ فساد يعم الصالح والطالح، فيجب علينا جميعاً نحو هذه المشكلة أمور: نصيحة الكفيل وتخويفه من الله، وأن يقال له: استمع إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ربه: (أن الله قال: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره) .
فنناصح هذا الكفيل ونخوفه بالله عز وجل، فإن اتعظ بوازع الإيمان وواعظ القرآن فهذا ما نريد، وهو أحسن من أن يتعظ بردع السلطان، فإن لم يرتدع وأصر على بخس هذا العامل الفقير حقه، فإنه يجب علينا أن نرفع الأمر للمسئولين وأن ندلي بشكايتنا وشهادتنا.
لنا الحق أن نشكو هذا الكفيل الذي أضاع حق مكفوله؛ لأننا نخشى أن تعمنا عقوبة هذه المصائب، فنشكو ونشهد على أن هذا الكفيل أضاع حق هذا المسكين الذي ترك أهله ووطنه وأصحابه؛ ليعيش هو وأهله، ثم يأتي هذا الرجل الظالم فلا يوفيه حقه، وعلى الحكومة أن تردع مثل هذا الكفيل ردعاً زاجراً يزجره وأمثاله حتى لو باعت ممتلكاته لتُوفي هؤلاء الفقراء الذين أضاع حقوقهم؛ لأنه إذا ضعف الوازع الإيماني وجب أن يقوى الرادع السلطاني؛ لأنه إذا ضعف الوازع الإيماني والرادع السلطاني تفلتت الأمور ولم تقض الحقوق.
فنصيحتي لهؤلاء الكفلاء أن يتقوا الله عز وجل، وأن يخشوا الله تبارك وتعالى، وأن يعطوا هؤلاء حقوقهم، وما ندري فلعل يوماً من الأيام يأتي ويكون هذا الكفيل مثل هؤلاء مكفولاً؛ فإن الناس في بلادنا هذه قبل عشرات السنين كانوا يذهبون إلى الشام والعراق والهند يطلبون لقمة العيش؛ لأنهم فقراء، ولولا أن الله منَّ علينا بمنابع هذا البترول لكنا أسوأ حالاً منهم، فليتقوا الله عز وجل، وليعطوا هؤلاء حقوقهم قبل أن يموتوا؛ فتؤخذ حقوق هؤلاء من حسناتهم، فإن بقي من حسنات الكفلاء وإلا أخذ من سيئات المكفولين وطُرح عليهم ثم طُرحوا في النار والعياذ بالله، هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
كما أني أنصح إخواني المواطنين المؤمنين الذين عندهم غيرة على إخوانهم وعلى بلادهم أن يناصحوا هؤلاء الكفلاء، فإن لم يفد فيهم النصح شيئاً فيرفعوا أمرهم إلى الحكومة، وليطلبوا من الحكومة بإلحاح أن يعاقبوا هؤلاء الكفلاء معاقبةً شديدة تردعهم وأمثالهم لئلا تحيط العقوبة بنا وبهم.
كما أن كثيراً من الكفلاء يغيبون عن المكاتب ويسافرون إلى غير بلدهم، وربما يختبئون في بيوتهم كما جرى لنا ذلك كثيراً؛ إذا أُعطينا رقم تليفون الكفيل واتصلنا به عدة مرات لا نجده، نعم ربما يختفون، ففي هذه الحال لا نتمكن من النصيحة.
فيجب أن نرفع الأمر إلى السلطة، والسلطة بنفسها تتقي الله عز وجل وتعطي هؤلاء المظلومين حقوقهم وتنتقم من هذا الذي بخسهم حقهم وأضاعه.