للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشهادة بالحق لا تكون إلا عن علم]

رجلان ذهبا ليسلما على أحد القضاة, فلما دخلا عليه وجدا عنده رجلاً يدعي أن له أرضاً يريد أن يأخذ لها صكاً, فعندما دخل هذان الرجلان والقاضي يعرفهم, ويعرف أنهم ليس لهم علاقة بالموضوع, وأنهم أتوا فقط للسلام على القاضي, فقال: هذان يشهدان, فكتب القاضي وشهدوا وانتهت المسألة, وأخذ الرجل، والبلد التي فيها القاضي تبعد عن البلد التي فيها الأرض (٥٠٠) كيلو, فما حكم شهادة هذين الشاهدين؟

والله! لابد أن تعرف أن الشهادة لا بد فيها من العلم: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:٨٦] لا بد أن يعرف الشاهد أن من شهد بحق لا بد أن يعلم, يعني الآن: لو أن رجلين أمامك ادعى أحدهما على الآخر مائة ريال, وأنكر الثاني, أنا أعلم أن المدعي صادق رجل عنده دين وأمانة وورع, وأن الآخر المنكر رجل خفيف الدين ولا يبالي أن ينكر ما يجب عليه, الآن أنا أعرف أن المدعي مصيب, أليس كذلك؟ هل لي أن أشهد؟ أنا أعرف أن الحق مع المدعي لأنه رجل ورع ودين, ولا يمكن أن يدعي ما ليس له, لكن هل لي أن أشهد بهذا الحق الذي أعتقده حقاً وأنا لا أعلم؟! لا أشهد، إذاً: لا يجوز لأي إنسان أن يشهد إلا بما علم أنه حق, حتى لو علم أن هذا حق لمقتضى حال المدعي لا يجوز أن يشهد, إلا إذا علم القضية بنفسه.

على كل حال أنا أعلمتك الآن, فلا يجوز للشهود أن يشهدوا إلا بما علموا بأنفسهم مباشرة, ولا يجوز للقاضي أيضاً أن يكتب شهادتهما وهو يعلم أنهما لم يشهدا القضية.