[تفسير قوله تعالى: (وتواصوا بالصبر)]
قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:٣] والصبر: حبس النفس عما لا ينبغي فعله.
وقسمه أهل العلم إلى ثلاثة أقسام فقالوا: إن الصبر صبرٌ على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله.
الصبر على الطاعة: كثيرٌ من الناس يكون فيه كسل عن الصلاة مع الجماعة، مثلاً: لا يذهب إلى المسجد، يقول: أصلي في البيت وأديت الواجب، فيكسل نقول: يا أخي اصبر نفسك، احبسها وكلفها على أن تصلي مع الجماعة.
كثير من الناس إذا رأى زكاة ماله كثيرة شح وبخل، وصار يتردد: أخرج هذا المال الكثير أو أتركه؟ وما أشبه ذلك، نقول: يا أخي! اصبر نفسك، أكرهها على أداء الزكاة، وهكذا بقية العبادات، فإن العبادات كما قال الله تعالى في الصلاة: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:٤٥] أكثر عباد الله تجد أن العبادات عليهم ثقيلة، فهم يتواسون بالصبر، اصبر على الطاعة ولا تمل ولا تكسل.
كذلك الصبر عن المعصية: بعض الناس تجره نفسه إلى أكساب محرمة: إما بالربا، وإما بالغش والكذب، وإما بالتدليس، أو بغير ذلك من أنواع الحرام، فنقول: اصبر يا أخي! اصبر نفسك لا تتعامل على وجه محرم.
بعض الناس أيضاً يبتلى بالنظر إلى النساء، تجده ماشياً في السوق كلما مرت امرأة أتبعها بصره، نقول: يا أخي! اصبر واحبس نفسك عن هذا الشيء.
أيضاً الصبر على أقدار الله: قد يصاب الإنسان بمرض في بدنه، يصاب الإنسان بفقد شيء من ماله، يصاب الإنسان بفقد أحبته، فيجزع ويتسخط ويتألم، فيتواصون فيما بينهم: اصبر يا أخي! هذا أمر مقدر، والجزع لا يفيد شيئاً، واستمرار الحزن لا يرفع الحزن، اصبر، قدر أن هذا الشيء لم يكن أصلاً، يعني مثلاً: إنسان فقد مليون ريال فحزن لذلك وتعذب منه، ماذا نقول له؟ نقول: اصبر يا أخي! قدر أن هذا المليون لم يوجد، ألست قد خرجت من بطن أمك ليس عليك ثياب، قدر أن هذا ما كان، كذلك أيضاً الأولاد مثلاً: إنسان امتحن بموت ابنه، نقول: يا أخي! اصبر، قدر أن هذا الابن لم يخلق، ثم كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام لإحدى بناته: (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى) الأمر كله لله وليس لك، فإذا أخذ الله تعالى ملكه كيف تعتب على ربك؟! كيف تتسخط؟! فهذه أنواع الصبر: الأول: الصبر على طاعة الله.
والثاني: عن معصية الله.
والثالث: على أقدار الله.
أيها أشق على النفوس؟ هذا يختلف، بعض الناس يشق عليه القيام بالطاعة، وتكون عليه ثقيلة جداً، وبعض الناس بالعكس الطاعة هينة عليه، لكن ترك المعصية صعب شاق، يشق عليه مشقة كبيرة، وبعض الناس يسهل عليه الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية لكن لا يتحمل الصبر على المصائب، يعجز، حتى أنه قد تصل به الحال إلى أن يرتد والعياذ بالله، كما قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:١١] .
إذاًَ: نأخذ من هذه الآية: أن الله سبحانه وتعالى أكد بالقسم المؤكد بإن واللام، أن جميع بني آدم خاسرون، بل في خسر الخسر محيط بهم من كل جانب، إلا من اتصف بهذه الصفات الأربع: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.
قال الشافعي رحمه الله: لو لم ينزل الله على عباده حجة إلا هذه السورة لكفتهم.
يعني: كفتهم موعظة وليس كفتهم تشريعاً؛ لأن ليس فيها من التشريع شيء، ليس فيها طهارة ولا صلاة ولا زكاة ولا حج ولا صيام، لكن كفتهم موعظة، فالإنسان عاقل يعرف أنه في خسر، إلا إذا اتصف بهذه الصفات الأربع، فإنه سوف يحاول بقدر ما يستطيع أن يتصف بهذه الصفات الأربع.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الرابحين الموفقين.