[أنواع أنساك الحج]
الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: هذا هو اللقاء الثامن والتسعون بعد المائة من اللقاءات المعروفة بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو التاسع من شهر ذي القعدة عام (١٤١٩هـ) .
ذكرنا أننا سنخصص هذه اللقاءات بمناسبة موسم الحج بالكلام على الحج، ففي اللقاء الذي قبل هذا تكلمنا عن شروط وجوب الحج، وبيَّنا أنها خمسة: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة.
وتكلمنا عن هذا تفصيلاً وانتهى الكلام عليه، أما هذا اللقاء فإننا سنتكلم فيه عن صفة الحج والعمرة.
فنقول أولاً: اعلم أن الأنساك ثلاثة، علم ذلك بالتتبع للسنة النبوية المطهرة: التمتع والقران والإفراد.
والتمتع: هو أن يحرم الإنسان بالعمرة في أشهر الحج -أي: من بعد دخول شهر شوال- ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج من تلك السنة، فيكون له عمرة مستقلة وحج مستقل، وعليه الهدي، لقول الله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:١٩٦] .
والقران: له صورتان: الصورة الأولى: أن يحرم بهما -أي: بالحج والعمرة- جميعاً من الميقات، فيقول: لبيك عمرةً وحجاً.
والصورة الثانية: أن يحرم بالعمرة أولاً ثم يخشى أن يفوته الوقوف لو قضى العمرة فيدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها.
أما الصورة الأولى فدليلها: فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (فإنه أتاه آتٍ وهو في ذي الحليفة، فقال له: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة، أو عمرة وحجة) .
وأما الصورة الثانية فدليلها: حديث عائشة رضي الله عنها: (أنها أحرمت بالعمرة، تريد التمتع، ثم أتاها الحيض قبل أن تدخل مكة، فأمرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تدخل الحج على العمرة فتكون قارنة) .
أما الإفراد: هو أن يحرم بالحج مفرداً بدون عمرة، بمعنى: أن يسافر من بلده إلى مكة ناوياً الحج فقط، فكيف يقول المتمتع في تلبيته؟ يقول: لبيك عمرة.
ولا حاجة أن يقول: متمتعاً بها إلى الحج؛ لأن النية كافية، وأما القارن فيقول: لبيك عمرةً وحجة.
وأما المفرد فيقول: لبيك حجاً.
هذه الأنساك الثلاثة أفضلها التمتع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بها وحث عليها، وقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة) -وكان قارناً- ثم القران، ثم الإفراد، القران بعد التمتع؛ لأنه داخلٌ باسم التمتع عند سلف هذه الأمة، ولأن المحرم يجمع فيه بين عمرةٍ وحج وكان أقلها الإفراد؛ لأنه حجٌ فقط، القارن عليه هديٌ كالمتمتع، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام وسبعةً إذا رجع إلى أهله.