نبتدئ هذا اللقاء بما كنا نبتدئ به اللقاءات السابقة من الكلام في تفسير آيات من كتاب الله، وكنا قد بدأنا بسورة ق حتى انتهينا إلى قوله تعالى:{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ}[ق:٣٦] :- لما كانت قريش تكذب النبي عليه الصلاة والسلام وتنكر البعث وتقول:{أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}[المؤمنون:٨٢] حذَّرهم الله عز وجل أن يقع بهم ما وقع لمن سبق من الأمم، فقال:{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ}[مريم:٧٤] أي: كثيراً من القرون أهلكناهم، و (القرن) هنا بمعنى: القرون، كما قال تعالى:{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ}[الإسراء:١٧] .
فأممٌ كثيرة أهلكها الله عز وجل لما كذبت الرسل.
{فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ} : أي بحثوا في البلاد، يريدون المفر والملجأ من عذاب الله، ولكن لم يجدوا مفراً، ولهذا قال:{هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} : أي: لا محيص لهم، {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * {وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}[سبأ:٥١-٥٢] .
فما أصاب القوم الذين كذبوا الرسل أولاً يصيب هؤلاء ثانياً؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا}[محمد:١٠] .