[أحوال الفاعل للمحظورات]
ثم اعلم أن هذه المحظورات إذا فعلها الإنسان فله ثلاث حالات: إما أن يفعلها متعمداً بلا عذر، أو يفعلها متعمداً لعذر، أو يفعلها جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً، فإن فعلها متعمداً بلا عذر فهو آثم وعليه الفدية، مثال هذا: رجل حلق رأسه متعمداً بلا عذر نقول: هو آثم وعليه الفدية ونسكه لا يفسد؛ لأنه لا يفسد النسك إلا بالجماع قبل التحلل الأول.
الثاني: أن يفعلها متعمداً لعذر، فهذا عليه فدية وليس عليه إثم، كما فعل كعب بن عجرة رضي الله عنه حين أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو مريض ورأسه مملوء من القمل يتناثر القمل من رأسه على وجهه، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما كنت أظن أن الوجع بلغ بك ما أرى) ثم أخبره بالفدية وأمره أن يفدي، لأن هذا فعله متعمداً لعذر.
ومثل ذلك: لو اضطر الإنسان إلى صيد، لم يجد شيئاً يأكله إلا الصيد فقتل صيداً فأكله فعليه جزاءٌ ولا إثم.
الثالث: أن يفعله جاهلاً أو ناسياً أو مرغماً، فهذا لا شيء عليه -لا إثم ولا فدية- لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:٢٨٦] قال الله تعالى: قد فعلت.
ولقوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:١٠٦] فإذا كان الكفر وهو أعظم الذنوب يرتفع حكمه مع الإكراه فما دونه من باب أولى، وعلى هذا فلو أن الإنسان أحرم ولبس الإزار والرداء ولكنه نسي أن يخلع السراويل ولم يتذكر إلا في أثناء النسك بعد أن طاف مثلاً تذكر وخلع السراويل فوراً فهل عليه شي؟
لا، لماذا؟ لأنه ناسي.
ولو أن إنساناً دعس أرنباً وهو لم يعلم بها حتى ماتت وهو محرم فليس عليه إثم، وليس عليه جزاء؛ لأنه كان جاهلاً.
ولو أنه صاد أرنباً يظن أن المحرم لا يحرم عليه الصيد إلا إذا دخل حدود الحرم فليس عليه شيء؛ لأنه كان جاهلاً.
ولو أكره الرجل زوجته فجامعها وهي كارهة عاجزة عن أن تتخلص منه فليس عليها شيء؛ لأنها مكرهة.
فصار الضابط في فاعل المحظورات على النحو التالي: الأول: ما فعله متعمداً بغير عذر فحكمه الإثم مع الفدية، إلا فيما لا فدية فيه، كعقد النكاح فليس عليه فدية لكنه آثم والنكاح لا يصح.
الثاني: ما فعله متعمداً لكن بعذر، فلا إثم عليه ولكن عليه الفدية.
الثالث: ما فعله ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فليس عليه شيء لا إثم ولا فدية، وهذا من نعمة الله تعالى وتيسيره على عباده.