يا شيخ! بعض أهل العلم يرون: أن وطئ الحاج الناسي المحرم يفسد الحج، واستدلوا: أنه يجب عليه غسل الجنابة وإنما المرفوع هو المأثم والمغرم، كيف يرد عليهم؟
نرد على هؤلاء الذين يقولون: إن الإنسان إذا جامع وهو صائم في رمضان أو جامع وهو محرم فعليه كفارة ويسقط عنه الإثم، نرد عليهم بأمرين: أمر أثري وأمر نظري: أما الأثري فنقول: إن الله تعالى قال في كتابه: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة:٢٨٦](فقال الله تعالى: قد فعلت) وقال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}[الأحزاب:٥] وهذا لم يتعمد.
وحصل تطبيق عملي لهذه القاعدة: وهي عدم المؤاخذة بالجهل والنسيان.
فقد أفطر الصحابة رضي الله عنهم في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس ولم يأمرهم بالقضاء؛ لأنهم كانوا جاهلين، ظنوا أن الشمس قد غربت.
وعدي بن حاتم رضي الله عنه أراد أن يصوم فجعل تحت وسادته عقالين وهما الحبلان اللذان تشد بهما يد البعير أحدهما أسود، والثاني أبيض، فجعل ينظر إليهما، فلما تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود أمسك، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة.
ومعاوية بن الحكم تكلم في الصلاة ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة.
فالمهم أن نقول: هذه الأدلة تدل على أن الإنسان إذا فعل شيئاً محرماً جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه.
أما الدليل النظري الذي نرد عليهم فنقول: إذا سقط الإثم لزم سقوط الكفارة؛ لأن الكفارة إنما تكون من أجل اتقاء عقوبة هذا الإثم، فإذا لم يكن هناك إثم فلا عقوبة.
وعموم العفو في قوله تعالى:{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة:٢٨٦] يشمل العفو عن الذنب والعفو عن الكفارة.