للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمور مهمة في الدعوة إلى الله]

فضيلة الشيخ! إذا أتينا للخروج في سبيل الله للدعوة نعطي هدايات، مثلاً: يجب علينا إذا خرجنا في سبيل الله أن نجتنب أربع مسائل: الأولى: عدم التدخل بالمسائل الفقهية، وعدم التدخل بالأمور السياسية، وعدم التدخل بالأمراض الاجتماعية كإنكار المنكر أو ما شابه ذلك.

إذا قلنا له: أين دليل ذلك؟ قال: كيف أجاب الإمام محمد عبد الوهاب: اعلم رحمك الله تعالى أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم أربع مسائل فما الأمر في هذا؟

أولاً: قولك إذا خرجنا في سبيل الله، الخروج في سبيل الله يعني: الخروج لقتال الكفار، هذا هو المراد بسبيل الله، وأما فعل الخيرات عموماً فهو وإن دخل في كونه طريقاً إلى الله عز وجل، لكنه ليس هو الجهاد في سبيل الله الذي وردت النصوص بفضله غاية ما في ذلك أن يقال: الخروج للدعوة إلى الله هذا الصواب.

والخروج للدعوة إلى الله لا بد فيها من أمرين أساسيين: الأمر الأول: أن يكون عند الإنسان علم بالشريعة التي يدعو إليها، ولا أقول أن يكون عالماً بكل الشريعة؛ لأن هذا شيءٌ لا يطاق، وحتى أكبر عالم لا يستطيع أن يدرك جميع الأحكام الشرعية، لكن أن يكون عالماً بالشرع فيما يدعو إليه، يعني: لا يتكلم إلا بعلم، فلابد من أن يكون على بصيرة.

الشيء الثاني: لابد أن يكون عاملاً بما يدعو إليه حتى يكون قدوة.

أما عدم التدخل في المسائل الفقهية، فلعل الذين اشترطوا ذلك علموا أنفسهم أن بضاعتهم في الفقه قليلة، وأن التدخل فيها بدون علم ليس إلا مجرد مراء لا فائدة منه، فيخشون أن يقع النزاع لهذا السبب فيقولون: لا تبحثوا في الأمور الفقهية.

نعم لو كان بينهم عالم فقيه مرجع لهم، فإنه لابد من أن يتفقهوا في دين الله بقدر المستطاع، لكن نظراً لأنهم لا يسهل عليهم أن يكون معهم هذا النوع من العلماء قالوا: لا تبحثوا في المسائل الفقهية لأن البحث بدون علم مجرد مراء لا يستفيد منه الناس، إلا شحن القلوب بعضها على بعض.

وأما قولهم: لا تتكلموا في الأمور السياسية، فنحن نوافقه على هذا؛ لأن البحث في الأمور السياسية لا يمكن أن يكون بين أيدي العوام الكل يقول ما يريد، الأمور السياسية لها أناس معينون يتولون الأمور، ولهذا لا تجد مثلاً سياسة عمر بن الخطاب مبثوثة في سوق الباعة والمشترين، كل يلوكها وكل يتكلم.

أبداً، وإذا أراد أن يعمل شيئاً استشار من هم أهل للشورى حين يشكل عليه الأمر، وليست المسائل السياسية ألعوبة تطرح بين أيدي العوام كل يلوك فيها بما شاء، لأن هناك أموراً سرية لا يمكن أن يطلع عليها العوام، يتصرف الحكام فيها حسب ما يرون من المصلحة، والواجب على الحاكم أن يقدم ما فيه مصلحة المسلمين الذين ولاهم الله عليه، ولهذا قال الله تعالى مشيراً إلى هذه المسألة: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} [النساء:٨٣] يعني نشروه {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم} [النساء:٨٣] فجعل الله تعالى للرأي أناساً يعرفون ويستنبطون الأشياء وينظرون في العواقب.

فأنا أوافق على أنه لا ينبغي لنا أن نجعل مجالسنا في الأمور السياسية؛ لأنه لا فائدة من هذا إطلاقاً، إلا أنه ربما يأت الإنسان بصورة صديق ويتكلم فيما يوغر الصدور على ولاة الأمور، حتى تحصل الفرجة بين الشعب وولاته ويحصل بذلك شرٌ كثير، وهو قد يتظاهر بمثل الصديق وليس بصديق ولكن في قلبه شيء على الولاة فيريد أن ينفذه ويفرج عن صدره، وقد يكون صديقاً يريد الخير ويريد الإصلاح لكن لم يعرف كيف الطريق إلى ذلك؛ لأن طريق الإصلاح ليس بإشاعة العيوب ونشرها بين الناس، سواءً كانت عيوب علماء أو عيوب أمراء، إنما لمحاولة الإصلاح وسلوك ما تحصل به الفائدة.

فأرى أن اشتراط عدم التدخل في السياسة أرى أنه جيد، وأنه مما يوجب أن ينصرف الناس إلى عبادة الله وحده، وإلى تحقيق التوحيد، وإلى الكف عما لا يعنيهم لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) .

الثالث والرابع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يعني: مشاكل المجتمع، وهذا خطأ، كونهم لا يبحثون فيها خطأ؛ لأن الله تعالى قال: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:١-٣] فذكر أربعة أوصاف: الإيمان والعمل الصالح وهذا خاص في الإنسان نفسه {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} وهذا لغيره، فلا بد من أن نبحث عن المشاكل الاجتماعية، من أجل أن نقوم بحل هذه المشاكل، وإصلاح ما فسد، ولمِّ ما تفرق وما أشبه ذلك، لكن بطريقٍ موافق لما جاءت به الشريعة، لا بطريق العنف وكون الإنسان يحمل عداوة وبغضاء للمنصوح؛ لأن هذه مسألة أيضاً يجب التنبه لها، أنت إذا رأيت رجلاً يعمل عملاً سيئاً وهو مؤمن لكنه عاصٍ لا شك أنك تكره معصيته، ويجب أن تكره معصيته لكن أن تكرهه هو؟ هذا يحتاج إلى تفصيل، ولا يجوز أن تكرهه حتى تعرف ما عنده، قد يكون هذا العاصي الذي عمل المعصية جاهلاً بها لا يعلم أنها معصية.

وأنا أضرب لكم مثلاً: رجل شاب تزوج وكان يجامع أهله في رمضان وهو صائم، ويقول: أنا كنت أظن الذي يحرم هو الجماع بالإنزال، ويقسم أنه ما علم أن الجماع بدون إنزال حرام، ولا شك أن الجماع في نهار رمضان أنه من أعظم الذنوب؛ لأنه هتك لحرمة ركن من أركان الإسلام وهو الصيام، لكن هذا الآن جاهل، نحن نكره فعله هذا؛ لأنه معصية لكن لا نكرهه حتى نعلم، فإذا قال أنه جاهل فإن سعة الإسلام ويسر الإسلام لا يوجب أن نَكرهه حتى نقيم عليه الحجة.

كثير من الإخوة إذا رأى إنساناً على معصية فإنه -أي الرائي- يكره المعصية وهذا حق لكن يكره العاصي ثم يعامله معاملة المعنف الكاره له الذي يريد أن ينتقم منه، وهذا غلط كبير.

والواجب أن تعالج العاصي معالجة الطبيب الرفيق الذي يداوي الجرح ليبرأ لا يداويه ليزداد، فتعامل هذا الرجل بلطف وإرادة خيرٍ له ورحمة به.

ولهذا أقول لكم كلاماً قاله شيخ الإسلام ابن تيمية؛ وشيخ الإسلام ابن تيمية معروف رحمه الله بالشدة على أهل البدع ومحاربتهم، قال: (إنك إذا نظرت إلى أهل الكلام -وأهل الكلام: هم الذين يرجعون في إثبات العقائد إلى عقولهم لا إلى الكتاب والسنة- قال: إذا نظرت إليهم بعين القدر رحمتهم ورققت لهم؛ لأنهم ابتلوا بهذا فضلوا، ترحمهم وترق لهم، وإذا نظرت إليهم بعين الشرع، وأنه لا يجوز إقرارهم، رأيت أنهم مستحقون لما قال الشافعي رحمه الله) وما الذي قال الشافعي؟ قال الشافعي في الحكم في أهل الكلام: أن يضربوا بالجريد والنعال، وأن يطاف بهم في العشائر ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكلام.

هكذا العلماء المربون ينظرون إلى الخلق نظرة إصلاح لا نظرة انتقام وكراهية، أنا أكره المعصية التي يقوم بها هذا الرجل، لكن هذا الرجل مؤمن أخي ولو زنا وسرق هو أخي {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠] .

هل هناك أعظم من قتل النفس بغير حق؟ لا، ومع ذلك قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:٩-١٠] انظر الترقيق: (أصلحوا بين أخويكم) كل منهم يقاتل أخاه (وسباب المسلم فسوق وقتاله كفر) لكن مع ذلك هذا ترقيق في الكلام (أصلحوا بين أخويكم) أخوة وإن كانوا يقتتلون بعضهم يقتل بعضاً.

فهذه مسألة يجب على الدعاة والآمرين بالمعروف والناهيين عن المنكر أن ينتبهوا لها، وأنا واثق بأن الإنسان إذا اتقى الله عز وجل، وسلك ما أرشده الله إليه ورسوله فالنجاح محقق، وكم من إنسان رأيته على معصية ثم خاطبته باللين والتعقل فيرجع عن المعصية، فإذا خاطبته بالعنف والغيرة والحمية التي في قلبك وانتهرته وزجرته فسوف ينفر من ذلك.

لذلك أحث إخواني الدعاة إلى الله عز وجل والآمرين بالمعروف والناهيين عن المنكر: أن يلاحظوا هذه النقطة؛ وهي أنهم إذا دعوا فإنهم يريدون إصلاح المدعو، إذا أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر يريدون كذلك إصلاح الفاعل للمنكر والتارك للمعروف دون التعنيف عليه، وإذا سلكوا هذا يسر الله أمرهم.

السائل: يا شيخ! الاهتمام بالعقيدة في الدعوة كما في حديث معاذ عندما النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن وقال: (إنك ستأتي قوماً أهل كتاب) فأول ما بدأ، بدأ بالتوحيد، وكثير من الدعاة يذهب ويخرج ويدعو الناس يعني يدعوهم للصلاة وفضائل الأعمال، ولا يهتم بالعقيدة، فلو تنبهونهم جزاكم الله خيرا؟ الشيخ: الدعاة الآن الذين في المملكة العربية السعودية لا يركزون كثيراً على جانب التوحيد؛ لأن الناس -ولله الحمد- على عقيدة حسنة، ليس هناك اختلاف، وربما لو فتحوا شيئاً من الاختلافات في العقيدة وعلم الكلام ربما يفتحون أبواباً مغلقة لذلك يهتمون بالأمور العملية دون الأمور العقدية؛ لأنك لو تأتي عجوزاً من عجائز الناس في المملكة العربية السعودية وتسألها أسئلة في ذات الله عز وجل أو صفات الله، لوجدت عندها من التوحيد ما هو محقق، فهذا هو السبب من أنهم يدعون إلى الفروع التي فيها التقصير.

وأما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً