فضيلة الشيخ: يقول بعض طلبة العلم: إنما تعانيه الدعوة إلى الله في العالم الإسلامي من تضييق واضطهاد، ناتج عن مخالفة الدعاة للمنهج السديد في الدعوة إلى الله، الذي هو منهج الأنبياء، فما مدى صحة هذه المقولة، آمل من فضيلتكم التفصيل؟
أنا لا أستطيع أن أحكم على دول بعيدة عني، فقد يكون مضايقتها للدعاة بناءً على تصرف بعض الدعاة، وقد تكون مضايقتها للدعاة لكراهتها للدعوة، فلا ندري والناس يختلفون، لكن نحن نقول بالنسبة على سبيل العموم: إنه ينبغي للدعاة أن يسلكوا الحكمة في إيصال الحق إلى الخلق، وليس المقصود العتب ولا الانتصار للنفس، ولا احتقار المدعو، والمقصود الإصلاح، فاسلك أقرب الطرق إلى الإصلاح، فقد يكون من المصلحة ألا أتكلم على شخص أمامي متلبساً بمنكر، وأؤجل هذا إلى وقت آخر يكون فيه مجال للكلام، وقد يكون من المصلحة أيضاً ألا أنكر عليه بالقول، ولكني أدعوه بالفعل بالتأليف، أدعوه إلى بيتي، أكرمه بالضيافة، أعطيه هدية عينية أو نقدية؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل من الزكاة نصيباً للمؤلفة قلوبهم.
وما يحصل من التضييق في بعض البلاد على الدعاة، أو على بعضهم فيما أرى أن سببها أمران: الأمر الأول: أن تكون الدولة كارهة للحق، لا تريد الحق إطلاقاً، تريد أن يكون الناس كلٌ:{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}[الكافرون:٦] كلٌ على جهته، وكلٌ يفعل ما يشاء بشرط المحافظة على الأمن وعدم الفوضى.
وهذه في الحقيقة علناً لا تمت إلى طريق السلف بصلة.
وقد يكون بعض الحكام لا يكرهون الدعوة إلى الحق، وربما يؤيدونها ويدعون إليها، لكن يكرهون منهجاً معيناً من بعض الدعاة، هذا المنهج هو أنه يثير الرعية على رعاتها، إذا ذكرت المثالب، مثالب الحكام دون محاسنهم، فإن هذا ليس منهجاً سليماً، بل يقال: إن المنهج السليم أن تناصح ولاة الأمور بمشافهتهم إن تمكنت، بالكتابة إليهم، تسلمها بيدك إن استطعت، أو بطريق آخر، فإن اهتدوا فهذا المطلوب، وإلا فليس من المصلحة أن نثير الناس على هؤلاء الحكام؛ لأنه ينتج من الشر والفساد والتفرق أكثر مما يحصل من المصلحة، بل قد تنعدم المصلحة مطلقاً، إذا ركب الحاكم رأسه وقال: أنا لن أخضع لهذا الذي حاول الضغط عليَّ بإثارة الشعب مثلاً.
لذلك نرى أن المنهج السليم أن توجه الدعوة إلى الشعب نفسه، فمثلاً إذا كان في الشعب تعامل بالربا، أوجه الخطاب والدعوة إلى نفس الشعب، تقول: هذا حرام، ولا يجوز للإنسان أن يتعامل فيه، والواجب الكف عنه، كذلك إذا رأيت أن أشرطة الغناء، أو ما يسمع من الإذاعات من الغناء منتشر، أحذر الناس من ذلك، وأقول: اتقوا الله هذا محرم، هذا لا يجوز، لكن بعض الدعاة يضرب عن هذا صفحاً، ويذهب يتكلم عن الحكومة التي أقرت هذا الشيء، فيقول مثلاً: تقر الربا تقر المعازف تقر كذا وكذا، أهم شيء هو إصلاح الشعب، والشعب إذا صلح بالضرورة ستصلح الحكومة؛ لأن الشعب أفراد مكون من حاكم ومحكوم، والمحكوم بلا شك أكثر من الحاكم، يعني: أفراد الحكومة مثلاً لا يأتون.
ولا نسبة لهم بالنسبة للشعب وإذا صلح الشعب فلابد أن تصلح الحكومة، فينتج من هذا أن ولاة الأمر يتصورون أن مقصود هذا الداعية الإساءة إلى الحكومة، وتفريق الناس عنها، والدعوة إلى اختلافهم عليها وعصيانها، وأنها ليست صالحة، وما أشبه ذلك، فيسلطون على هذا الداعية وعلى من ينتصر له.
السائل: والمنكرات المعلنة يا شيخ! هل تنكر علناً؟ الشيخ: بلى تنكر علناً، لكن كيف أنكرها؟ أقول: لا يجوز أن أتعامل مع البنوك مثلاً بربا، لا يجوز أن نستمع إلى الأغاني الماجنة أو المعازف، لا يجوز مثلاً أن نشتري الصحف أو المجلات التي فيها صور خليعة، أو تنشر أفكاراً هدامة، وما أشبه ذلك.