[السبيل إلى التخلص من المعاصي المستحكمة في النفوس والإقبال على طلب العلم]
هناك يا فضيلة الشيخ! بعض المعاصي المستحكمة في النفوس فكيف يستطيع الإنسان إخراج حب هذه الذنوب والمعاصي من نفسه، وكيف يكون صادقاً مع الله تعالى، وكيف يكون صادقاً في طلب العلم والتوجه إلى الله عز وجل، وادع الله عز وجل لنا أن يوفقنا للطاعة وللعلم؟
لا شك أن هذا سؤال يرد على النفوس، لكنه يرد من نفوس عندها شيء من القنوط، والإنسان يجب ألا يقنط من رحمة الله وأن لا ييئس، وأن يكرر الدعاء لله عز وجل والافتقار إليه وسيجد الثمرة قريباً، لكن كون الإنسان يستعظم ما عنده من الذنوب والإعراض والغفلة ثم يقول: متى أكون صالحاً؟ هذا هو الداء الوحيد، فالواجب على الإنسان ألا ييأس من رحمة الله، وأن يقبل على الله عز وجل بقدر المستطاع، ويحاول ربما أنه يريد أن يقبل على الله لكن الشيطان يصرفه، فليحاول مرة بعد أخرى حتى يستقيم، وأحسن شيء هو محاولة إحضار القلب في الصلاة، هذا هو المهم، يعني: إذا قدرت أن تحضر قلبك في الصلاة كلما صليت فاعلم أن هذا فتح باب خير، لأن الله قال في القرآن الكريم:{وَأَقِمِ الصَّلاةَ}[العنكبوت:٤٥] يعني: افعلها مستقيمة {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت:٤٥] فإذا أقمت الصلاة تماماً فأبشر بالخير، وقال تعالى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}[البقرة:٤٥] ليس على ملمات الدنيا فقط بل على كل شيء.
فأوصي هذا الأخ الذي يتعاظم الذنوب في نفسه وربما ييأس من رحمة الله عز جل، أوصيه بأن يبعد هذا الوهم من نفسه، وأن يحاول بقدر ما يستطيع إقامة الصلاة على الوجه المطلوب، فإن هذا هو الدواء، وهذا هو المفتاح، ونسأل الله لنا ولكم السلامة.
كذلك أيضاً طلب العلم، يقبل إقبالاً حقيقياً ولا ييأس، لأن بعض الناس إذا بدأ بالعلم ورأى أنه صعب تمثل بقول الشاعر:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
نقول: هذا غلط، بل اصبر وصابر ورابط، واتق الله، أربع وصايا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران:٢٠٠] وكم من أناس طلبوا العلم وهم كبار لكن جدوا واجتهدوا وافتقروا إلى الله، ولجئوا إليه عز وجل، وحصلوا خيراً كثيراً، وقد ذكر لي بعض الإخوة رواية -وأنا ما رأيتها- أن ابن حزم رحمه الله وهو من العلماء المشهورين الكبار دخل يوماً المسجد فجلس، فقال له بعض الحاضرين في المسجد: قم صل ركعتين، فقام وصلى ركعتين، ثم دخل مرة بعد العصر فقام يصلي، فقال بعض أصحابه: لا تصل هذا وقت نهي، فقال: سبحان الله! ما هذا الجهل إن قمت أصلي قالوا: لا تصل.
وإن جلست قالوا صل، معنى ذلك أنه ليس عنده علم، ثم بعد ذلك بدأ يطلب العلم حتى حصل.
مع أن القول الراجح: إن الإنسان إذا دخل المسجد في أي وقت فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين، لأنها ذات سبب، والنوافل التي لها سبب ليس عليها وقت نهي.