[كيفية حج التمتع]
نسوق الآن الحج بصفة التمتع فنقول: إذا وصل الإنسان إلى الميقات فإنه يغتسل كما يغتسل من الجنابة، ويلبس ثياب الإحرام وهي بالنسبة للرجل إزار ورداءن أبيضان، إما جديدان وهو الأفضل أو نظيفان، ويتطيب في رأسه ولحيته، ولا يطيب ثوبي الإحرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس) ثم ينوي الدخول في النسك وهو العمرة، ويلبي فيقول: لبيك اللهم بعمرة، ويستمر على تلبيته، ويلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
فإذا وصل مكة طاف طواف العمرة، وفي هذا الطواف يسن للرجل أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى ويمشي في الباقي، ويسن -أيضاً- أن يضطبع بردائه، والاضطباع: هو أن يجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، فيكون الكتف الأيمن مكشوفاً والكتف الأيسر مستوراً، وهذا الاضطباع يكون في الطواف فقط، وإذا فرغ من الطواف أزاله.
عند ابتداء الطواف يستلم الحجر الأسود ويقبله، فإن لم يتيسر استلمه وقبل يده والاستلام هو مسحه، وإن لم يتيسر استلامه أشار إليه وعندئذ يقول: باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنّة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يجعل البيت عن يساره ويستمر في الطواف، وليس للطواف دعاء مخصوص لكل شوط، إلا ما يقال عند الحجر الأسود وبين الركن اليماني والحجر الأسود، يقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:٢٠١] .
فإذا وصل في الشوط الأول إلى الركن اليماني مسحه بدون تقبيل، فإن لم يتيسر له المسح لم يشر إليه؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا حاذى الحجر الأسود في المرة الثانية، فإنه يكبر فقط ولا يقول: باسم الله والله أكبر.
إلخ؛ لأن ذلك إنما يكون في ابتداء الطواف فقط.
فإذا أتم سبعة أشواط تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:١٢٥] ، وصلى ركعتين يخففهما، ويقرأ في الأولى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:١] بعد الفاتحة، وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] بعد الفاتحة، فإذا فرغ منهما لم يجلس للدعاء ولا لغيره، بل يقوم ليخلي المكان لغيره ممن يريد أن يصلي خلف المقام.
ويتجه إلى الصفا، فإذا دنا منه قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:١٥٨] يقرأها قبل أن يصعد إلى الجبل، ولا يقرأها إلا في هذا المكان فقط، إذا أقبل على الصفا أو المروة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرأها بعد ذلك.
فإذا صعد الصفا استقبل القبلة ورفع يديه ليدعو، فيكبر ثلاثاً ويقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) .
ثم يدعو بما أحب، ثم يقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ثم يدعو المرة الثانية، ثم يقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) .
ثم ينزل متجهاً إلى المروة -يمشي كعادته- حتى يصل إلى العمود الأخضر وحينئذ يسعى -أي: يركض ركضاً شديداً- حسب ما تيسر له، إذا كان السعي متيسراً وكان المسعى غير مزدحم، فإذا كان مزدحماً بالساعين فليحرص على عدم إيذاء غيره، فيستمر في الركض إلى أن يصل إلى العمود الأخضر الآخر، ثم يمشي مشياً عادياً، فإذا وصل إلى المروة صعدها، واستقبل القبلة، وقال مثلما قال على الصفا هذا هو الشوط الأول.
والشوط الثاني: هو الرجوع من المروة إلى الصفا، وهكذا حتى يتم سبعة أشواط، فيكون مبتدئاً بـ الصفا منتهياً بـ المروة، فلو فرض أن إنساناً زعم أنه أكمل سعيه وأنهاه بـ الصفا، فهو إما أنه زاد شوطاً أو نقص شوطاً، فإذا فرغ من السعي قصر، بأن يقص شعر رأسه، ويكون القص من جميع الجوانب وليس من جانبين أو ثلاثة أو أربعة فقط، بل يعم جميع الرأس، وبهذا يحل من إحرامه تحللاً كاملاً ويحل له جميع محظورات الإحرام.
ويبقى متحللاً إلى اليوم الثامن من ذي الحجة، فإذا كان ضحى اليوم الثامن من ذي الحجة اغتسل وتطيب برأسه ولحيته، ولبس ثياب الإحرام وأحرم بالحج، وقال: لبيك اللهم حجاً، فإن كان في منى فهو في منى، وإن لم يكن في منى ذهب إليها وبقي فيها بقية يومه الثامن إلى أن يصلي الفجر يوم التاسع، فيصلي في منى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، خمس صلوات، ويكون قاصراً صلاته غير جامع، بل يصلي الظهر في وقتها ركعتين، والعصر في وقتها ركعتين، والمغرب في وقتها ثلاث ركعات، والعشاء في وقتها ركعتين والفجر ركعتين.
فإذا طلعت الشمس ارتحل متجهاً إلى عرفة، وإن تيسر له أن ينزل في نمرة -وهي موضع قرب عرفة وليس من عرفة - فلينزل به، وإن لم يتيسر استمر حتى يصل إلى عرفة وينزل فيها، فإذا زالت الشمس أذّن وصلى الظهر ركعتين ثم العصر ركعتين جمع تقديم؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يتفرغ لاستماع خطبة إمام مسجد نمرة أو مسجد عُرنة، والاستماع الآن متيسر بواسطة الإذاعة ولله الحمد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في عرفة قبل أن يصلي الظهر والعصر، فلما فرغ أمر بلالاً فأذّن ثم أقام، فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر.
وبعد ذلك يتفرغ للدعاء والذكر وقراءة القرآن، وليحرص على الإلحاح في دعاء الله عز وجل في آخر النهار؛ لأنه موطن إجابة، فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة، وفي هذا اليوم إن شاء يركب السيارة ويدعو الله سبحانه وتعالى وهو راكب على سيارته فهو أحسن إن تيسر، وإن كان بقاؤه في الأرض أخشع له وأحضر لقلبه فهو أفضل، فما كان أخشع له وأحضر لقلبه فهو أفضل، لكن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على راحلته راكباً.
فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة، فإذا وصل أذّن فصلى المغرب، ثم صلى العشاء بأذان واحد وإقامتين، ثم يبقى في مزدلفة حتى يطلع الفجر، فإذا صلى الفجر جلس يذكر الله سبحانه وتعالى ويدعوه، فإن تيسر أن يكون عند المشعر الحرام -أي: عند المسجد الموجود في مزدلفة الآن- فهو أفضل، وإلا فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وقفت هاهنا وجمع كلها موقف) أي: مزدلفة.
فإذا أسفر جداً وقبل أن تطلع الشمس سار إلى منى، حتى يصل إلى جمرة العقبة وهي آخر الجمرات مما يلي مكة، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة، فإذا أتم سبع حصيات ذهب إلى المنحر فنحر هديه، ثم حلق رأسه، وبهذا يحل التحلل الأول، فيلبس الثياب ويتطيب، ثم ينزل إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة ويسمى طواف الحج، ويسعى بين الصفا والمروة، وليس في هذا الطوف رمل؛ لأن الرمل إنما يكون في طواف القدوم، وليس فيه اضطباع؛ لأن الإنسان قد لبس ثيابه والاضطباع يكون بالرداء.
ثم يرجع بعد ذلك إلى منى فيبيت فيها ليلة الحادي عشر، فإذا زالت الشمس قبل أن يصلي الظهر ذهب إلى الجمرات ليرميها، فيرمي الجمرة الأولى بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم قليلاً حتى لا يصيبه الحصى، وحتى لا يؤذيه زحام الناس، فيقف متجهاً إلى القبلة رافعاً يديه يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً كما جاءت بذلك السنّة، وكذلك في الوسطى يفعل كما فعل في الأولى، أما جمرة العقبة فإذا رماها انصرف إلى خيمته.
فإذا زالت الشمس من اليوم الثاني عشر فعل مثلما فعل في اليوم الحادي عشر في رمي الجمرات، ثم إن شاء تعجل وخرج من منى، وإن شاء بقي إلى يوم الثالث عشر، والتأخر أفضل؛ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن فيه زيادة خير، فيه زيادة المبيت ليوم الثالث عشر وزيادة الرمي، وكل هذا عمل صالح، لكن الله يسر، لعباده فمن شاء تعجل في اليوم الثاني عشر بعد رمي الجمرات، ومن شاء تأخر وهو الأفضل.
فإذا أراد أن يرجع إلى بلده فلا يخرج حتى يطوف للوداع سبعة أشواط بثيابه العادية وبدون سعي، ثم ينصرف إلى بلده.