كيف تكون صلة الأرحام وربما يتضايقون من كثرة الزيارة، وكيف تكون زيارة البنت المتزوجة لأهلها؟ هل هو على حريتها بحجة صلة أهلها وأرحامها مع كثرتهم، مع أن الزوج له ظروفه الخاصة من أبنائه، وخدمة والديه، وأعمال وارتباطات، وكيف يكون التوفيق بين أرحام الزوج والزوجة مع كثرتهم وتباعدهم؟
أما الفقرة الأولى من السؤال: فهو أن صلة الأرحام لم يبينها الله عز وجل، ولم تبينها السنة، لكن يرجع فيها إلى ما يتعارفه الناس، وهي تختلف باختلاف القربى، وباختلاف الزمان، وباختلاف المكان: كونها تختلف باختلاف ذي القربى: ليست صلتك لأخيك الشقيق كصلتك لأخيك من أمك، أيهما أوكد؟ الأول الشقيق، وليست صلتك لعم أبيك كصلتك لعمك، كلما كان منك أقرب فهو أولى بالصلة، هذا باعتبار القربى.
باعتبار الزمان: قد يكون الزمان زمان رخاء وغنى وكل إنسان غني عن أخيه بما عنده، وقد يكون الزمان زمان فقر وحاجة، فهل صلتك للرحم في حال الغنى كصلتك للرحم في حال الفقر؟ لا، ولهذا ربما يكون لك أخوان أحدهما غني لا يحتاج إلى شيء، والثاني فقير، يجب أن تصل الفقير بالمال أكثر مما تصل الغني، إذاً هذا باختلاف الزمان والأحوال.
ثالثاً بحسب المكان: صلتك للإنسان البعيد ليست كصلتك للإنسان القريب الذي عندك في البلد؛ الذي في البلد ربما نقول: يجب أن تزوره مثلاً كل أسبوع، كل نصف شهر، لكن البعيد لا يجب عليك هذا، إنما وسائل الاتصال في الوقت الحاضر والحمد لله أغنت عن كثيرٍ من التعب، إذ بالإمكان أن تصل البعيد عن طريق الهاتف، كل أسبوع مرة، أو كل أسبوعين مرة، أو كل شهر مرة، والناس الآن -والحمد لله- يعلمون هذا، يعني: ليس الواحد منا يريد أن يزوره قريبه كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر، لا، متى عرف أنه بخير ولا حاجة عليه فإنه يتصل.
أما إذا كان يعرف أن أقاربه يسئمون منه من كثرة ترداده فإن المقصود بالصلة هي الإحسان، وتقارب القلوب والائتلاف، فإذا علمت أنهم يسئمون من ترددك، ويكرهونك، ولا يزيدك منهم إلا بعداً، فلا تكثر الترداد، المقصود أن تكون مطمئناً على صحتهم وعلى حاجتهم، وهذا كفاية.
أما بالنسبة للزوج مع زوجته، فإن الواجب أن يعاشرها بالمعروف، كما قال تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء:١٩] فما جرى عرف الناس عليه فإنه يجب عليه أن يمكنها منه، فمثلاً: إذا كان من عادة الناس أن المرأة تزور أهلها كل نصف شهر، وجب عليه أن يمكنها من هذا، أو كل أسبوع وجب عليه أن يمكنها من هذا، وإذا كان أهلها في بلدٍ آخر فإنه لا يلزمه أن يسافر بها كل أسبوع أو كل نصف شهر، حسب الحال، وليعلم أن مالك المرأة هو زوجها، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:(اتقوا الله في النساء فإنهن عوانٍ عندكم) ، عوانٍ يعني: أسيرات، وقال الله تعالى في سورة يوسف عن امرأة العزيز:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}[يوسف:٢٥] فجعل الزوج سيداً، وهذا يتضمن أن تكون الزوجة بمنزلة الرقيقة الأمة.