[مقدمات الصوم ومؤخراته من العبادات]
مقدمات الصوم ومؤخراته من العبادات، فالسحور -مثلاً- من العبادات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، فقال: (تسحروا) وبيّن أن في تسحرنا مخالفة لليهود والنصارى، حيث قال: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور) .
ثم إن نبينا وإمامنا محمداً صلى الله عليه وسلم كان يتسحر ويتسحر معه الصحابة، كما قال زيد بن ثابت: (تسحرنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة) .
فإذاً نقصد بسحورنا أولاً: امتثال أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، هذه واحدة.
ثانياً: مخالفة اليهود والنصارى.
ثالثاً: الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قلت لكم: إن الرسول كان يتسحر ويتسحر المسلمون معه، فهذه ثلاثة أشياء كلها عبادة، ثم إننا نقول أيضاً: الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إن في السحور بركة) أين البركة؟ كله بركة: عبادة، واقتداء بالرسول، ومخالفة لأصحاب الجحيم، وعون على الصوم، وإعطاء للنفوس حقها، حيث أنها ستقبل على وقت تمسك فيه، فتنال حضها من الأكل والشرب لتتقوى به على طاعة الله عز وجل، هذه مقدمة الصوم.
المؤخر الذي يلحق الصوم: الفطر، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بل حث النبي صلى الله عليه وسلم على التعجل بالإفطار فقال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) لكن بعد تيقن غروب الشمس أو غلبة الظن في غروبها إذا لم يمكن اليقين.
إذاً السحور: عبادة، والفطور: عبادة، وليكن على تمر، فإن لم يجد فعلى ماء، أولاً: التمر الأفضل منه الرطب، ثم التمر غير الرطب، ثم الماء إذا لم يجد.
فضلاً عما يقع في الصيام من الصبر الذي قال الله فيه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:١٠] .
الصيام فيه صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله.
صبر على طاعة الله؛ لأن الإنسان يتحمل الصوم ويصبر عليه، ويكف نفسه وبذلك يكون صابراً عن معصية الله، الصوم يلحق الإنسان فيه: جوع، وعطش، وهبوط نفس، وكسل ولاسيما في الأيام الطويلة الحارة، فتجتمع فيه أنواع الصبر، ولهذا جاءت تسمية شهر رمضان بشهر الصبر؛ لأن فيه أنواع الصبر الثلاثة، فهو خير.
ثم إن الواجب علينا، أن نفكر إذا كان الله تعالى نهانا عن شهواتنا، الجسدية -البدنية- من أكل وشرب وجماع، فلننهى أنفسنا عن الشهوات المعنوية، كثير من الناس نسأل الله العافية، يشتهي المعاصي، يشتهي الكذب، الغيبة، السب، الشتم، فهل من المعقول أن الله سبحانه وتعالى ينهانا عن الشهوات الجسدية ثم نبيح لأنفسنا الشهوات المعنوية؟
لا.
أبداً ليس من الحكمة، ولهذا نقول: إن المعاصي كترك صلاة الجماعة -مثلاً- ممن تجب عليه وكالغش، وكالكذب، والغيبة وما أشبهها؛ إنها تنقص صومه، حتى لو فرضنا أن الإنسان من حين صام إلى أن أفطر وهو في المسجد يقرأ ويصلي ويسبح ويهلل ولكنه يفعل هذه المعاصي فإنها سوف تنقص الصوم لا شك في هذا؛ لأنه لم يأت بالحكمة التي من أجلها شرع الصوم.
إن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: (الصوم جنة) يعني: وقاية يتقي به الإنسان معصية الله عز وجل، (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب) يعني: لا يفعل الإثم ولا يصخب بالكلام (وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني امرؤ صائم) أرشده النبي عليه الصلاة والسلام إلى ألا ينتصر لنفسه بل يقول: إني امرؤ صائم، فلو أن أحداً سبك وقال لك: يا حمار! يا كلب! أنت بليد! أنت فيك كذا! وأنت صائم لا ترد عليه، مع أنك لو رددت عليه لكان جائزاً وجزاء السيئة سيئة مثلها لكن في الصيام لا.
لا ترد عليه ولكن لا تظهر بمظهر العاجز عن مقابلته وقل: إني صائم، وفي قولك: إني صائم فائدتان: الفائدة الأولى: توبيخه.
الفائدة الثانية: أن بك قدرة على الرد عليه ومقابلته لكن يمنعك الصيام.
كل هذا يدل على أن الصوم ليس حبس النفس عن الشهوات الجسدية بل هو بمعنى أعمق، وأبلغ، وأتم.