للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (بل عجبوا أن جاءهم منذر)]

قال تعالى: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [ق:٢] هنا لا يتراءى للإنسان التالي جواب القسم، فاختلف العلماء رحمهم الله في مثل ذلك هل له جواب أو جوابه يُعْرَف من السياق، أو يُعْرَف من المقسَم به؟ فيه أقوال متعددة للعلماء، وأظهر ما يكون أن نقول: إن مثل هذا التركيب لا يحتاج إلى جواب للقسم؛ لأنه معروف من عظمة المقسَم عليه، فكأنه أقسم بالقرآن على صحة القرآن.

فالقرآن المجيد لكونه مجيداً كان دليلاً على أنه حق، وأنه منزل من عند الله عز وجل، وحينئذ لا يحتاج القسم إلى جواب، لأن الجواب في ضمن القسَم.

{بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [ق:٢] {عَجِبُوا} (الواو) تعود على المكذبين للرسول عليه الصلاة والسلام الذين كذبوا رسالته، كذبوا بالقرآن كذبوا بالبعث كذبوا باليوم الآخر، ولهذا {عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} [ق:٢] ، عجبوا عجب استغراب واستنكار، وإنما قلنا ذلك لأن العجب: - تارة يُراد به: الاستنكار والتكذيب.

- وتارة يُراد به: الاستحسان فقول عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمُّن في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله) ، المراد بالعجب هنا الاستحسان.

وقوله هنا: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} المراد به: الاستنكار والتكذيب، {أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} ليس بعيداً عنهم، هو منهم، نسباً، وحسباً، ومسكناً، يعرفونه، ومع ذلك قالوا: {هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} .