[تفسير قوله تعالى:(من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب) .]
قال تعالى:{مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ}[ق:٣٣] : (مَنْ) هذه بدل مما سبقها.
{مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ} : أي: خافه عن علم وبصيرة؛ لأن الخشية لا تكون إلا بعلم، والدليل قوله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:٢٨] ، فهي خشية، أي: خوف ورهبة وتعظيم لله عز وجل؛ لأنها صادرة عن علم، وقوله:{مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} : لها معنيان: المعنى الأول: أنه خشي الرحمن مع أنه لم يره؛ لكن رأى آياته الدالة عليه.
والمعنى الثاني: خشيه بالغيب، أي: بغيبته عن الناس، يخشى الله وهو غائب عن الناس؛ لأن من الناس من يخشى الله إذا كان بين الناس، وأما إذا انفرد فإنه لا يخشى الله، مثل من؟ المرائي، المنافق، إذا كان مع الناس تجده من أحسن الناس خشية، وإذا انفرد لا يخشى الله.
كذلك أيضاً من الناس من يكون عنده خشية ظاهرية لكن القلب ليس خاشياً لله عز وجل، فيكون بالغيب أي: بما غاب عن الناس، سواء عمله في مكان خاص، أو ما غاب عن الناس في قلبه، فإن خشية القلب هي الأصل.
{وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} : أي: جاء يوم القيامة بقلب منيب أي رجَّاع إلى الله عز وجل، أي أنه مات وهو منيب إلى الله، فهو كقوله:{وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:١٠٢] المعنى: أنه بقي على الإنابة والرجوع إلى الله عز وجل إلى أن مات، إلى أن لقي الله؛ لأن الأعمال بالخواتيم، نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالخير.