للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان)]

قال تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [الرحمن:٧٦] (متكئين) أي: معتمدين بأيديهم وظهورهم (على رفرف) أي: على مساند ترفرف فيها رفرفة مثل الشلش الذي يكون في المساند، يكون في الأسرة هكذا يرفرف، متكئين على الرف الخضر؛ لأن اللون الأخضر أنسب ما يكون للنظر، وأشد ما يكون بهجة للقلب، (وعبقري حسان) العبقري: هو الفرش الجيدة جداً، ولهذا يسمى الجيد من كل شيء: عبقري، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤية التي رآها حين نزع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: (فما رأيتُ عبقرياً يفري فرية) أي: ينزع نزعة من قوته رضي الله عنه.

{وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:٧٦-٧٧] ومعنى: (فبأي آلاء ربكما تكذبان) التقرير، أي: أن النعم واضحة، فبأي شيءٍ تكذبون؟

لا نكذب بشيء، نعترف بآلاء الله -أي: بنعمه- ونقر بها، ونعترف أننا مقصرون، لم نشكر الله تعالى حق شكره، ولكننا نؤمن بأن عفو الله أوسع من ذنوبنا، وأن الله تبارك وتعالى عفوٌ كريم يحب توبة عبده، ويحب التوابين ويحب المتطهرين، حتى قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم) وذكر الرجل في فلاة أضل راحلته -ضيعها- وعليها طعامه وشرابه، فطلبها ولم يجدها وهو في فلاة من الأرض ليس حوله أحد، فأيس منها، فاضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت -أي: يئس من الحياة- فإذا بخطام ناقته متعلق بالشجرة، فأخذه وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، ماذا يريد؟ يريد: أنت ربي وأنا عبدك، لكن من شدة الفرح أخطأ، فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، فالله تعالى أشد فرحاً بتوبة عبده من هذا الرجل بناقته، اللهم تب علينا يا رب العالمين.