إذا كان أهل مصر من الأمصار يحلون شيئاً، مثل أهل المدينة كانوا يحلون الغناء، وأهل الكوفة كانوا يحلون النبيذ، فما حكم الغناء إذا كان علماء المصر يجيزونه؟
إذا علمنا أن هذا العالم مجروح بالغناء لكونه يغني مثلاً، ولكنه مستقيم الحال فيما عدا ذلك، بحثنا هل هو ممن يرى إباحة الغناء؟ إذا قيل: نعم.
فإن هذا لا يجرحه، وإن قيل: لا.
فإن ذلك يجرحه؛ لأنه أصر على معصية، والغناء اختلف فيه العلماء ولا شك في هذا، ولكن قد وضع الله لنا ميزاناً عند اختلاف العلماء وهو الكتاب والسنة، كما قال تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}[النساء:٥٩] ، فلا يوهن الحكم اختلاف العلماء إذا بانت السنة إنما الذي يوهن الحكم ألا تثبت السنة أو لا تثبت دلالتها على الحكم؛ هذا هو الذي يوهن، أما مجرد الخلاف فإنه لا يوهن الحكم، لكنه يوجب للمستدل أن يبحث أكثر حتى يعرف ما وجه الخلاف الذي نشأ ويعرف الرد عليه، وهذه المسألة قلَّ من يتفطن لها حيث إن بعض الناس يظن أن مجرد الخلاف يوهن الحكم وهذا غلط، مثلاً إذا قال أحدهم: لحم الإبل ينقض الوضوء أو لا ينقض الوضوء؟ ثم قال آخر: بل هو ينقض الوضوء للحديث، فيقول الثاني: العلماء مختلفون فيه، نقول: الاختلاف لا يضر ولا يوهن الحكم ما دام الدليل دالاً عليه، والدليل ثابت، والدلالة ثابتة، فإن الخلاف لا يوهن الحكم، لكن كما قلت لك: يوجب للمستدل الناظر أن يتثبت وأن ينظر لماذا حصل الخلاف؛ فلربما يكون الخلاف لأمر لم يعلمه هو فإذا علمه رجع عن قوله.