أعطاني أبي قطعة من الأرض، ولي أشقاء أحياء، علماً بأنني قد بنيت له بيتاً قبل ذلك، فربما أعطاني هذه الأرض مكافأة لي على البيت الذي بنيته له، فهل هذا الفعل يجوز؟ وهل ترد هذه الأرض للورثة بعد وفاة والدي؟ وجزاكم الله خيراً.
الأصل أنه لا يحل للوالد أن يعطي أحداً من أبنائه أو بناته شيئاً إلا إذا أعطى الآخرين مثله؛ لأن بشير بن سعد الأنصاري رضي الله عنه أعطى ابنه النعمان بن بشير عطية، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على عطية ابنه، فقال له:(ألك بنون؟ قال: نعم.
قال: أنحلتهم مثل هذا؟ قال: لا.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وقال له أيضاً: (أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) فلا يجوز للأب أن يخص أحد أولاده من بنين أو بنات بشيء إلا إذا أعطى الآخرين مثله، أو إذا سمحوا وطابت نفوسهم عن اختيار ورضا وهم راشدون، فإن هذا أيضاً لا بأس به، وإلا إذا كان عطاء لدفع حاجة النفقة أو حاجة الزواج، مثل أن يكون أحدهم غنياً ولا يحتاج إلى نفقة أبيه، والثاني فقيراً يحتاج إلى نفقة أبيه، فينفق على هذا الفقير بقدر حاجته، فإن ذلك جائز وإن لم يعط الآخر الغني، وكذلك لو احتاج أحد الأبناء إلى زواج فزوجه؛ فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثل ما أعطى هذا لزواجه، ولكن يجب عليه إذا بلغ الآخرون سن الزواج وأرادوا أن يتزوجوا أن يزوجهم كما زوج الأول.
وبهذه المناسبة أشير إلى مسألة يفعلها بعض الناس، وهي: أنه يكون له أولاد بلغوا سن الزواج فيزوجهم، ويكون له أولاد صغار ولم يبلغوا سن الزواج، فيوصي لهم بعد الموت بمقدار ما أعطى إخوتهم، فإن هذه الوصية حرام وباطلة، وذلك لأن تزويجه للكبار كان دفعاً لحاجتهم، وهؤلاء الصغار لم يبلغوا سناً يحتاجون فيه للزواج، فإذا أوصى لهم بعد موته بمثل ما زوج به الآخرين فإن ذلك حرام ولا يصح ولا تنفذ الوصية.
أما ما ذكره الأخ السائل من أن الأب منح ابنه أرضاً لكونه بنى لأبيه بيتاً، فإنه ينظر إذا كان الأب منحه هذه الأرض ونيته بذلك مكافأة على بناء البيت، أي أنه من الأصل لم يقبل تبرع ابنه ببناء البيت إلا بمكافأة، فكافأه بهذه الأرض وهي تقابل بناء البيت؛ فإن هذا لا بأس به، كما لو اشترى منه حاجة وأوفاه ثمنها.
وأما إذا كان الأب قد قبل تبرع الابن ببناء البيت، ولم يكن يخطر على باله أن يكافئه؛ فإنه لا يحل له أن يعطيه أرضاً دون إخوته، وإذا قدر أنه أعطاه فإنه يجب عليه في حياته أن يعطي الآخرين مثل ما أعطاه، أو يرد الأرض وتكون من جملة المال الذي يورث من بعده، فإن مات قبل ذلك فإن سمح الأولاد بهذه العطية فهي ماضية نافذة، كما لو سمحوا بها في حياته، وإن لم يسمحوا بها فإنها ترد في الميراث، وتورث من جملة ماله، وقال بعض أهل العلم: إنه إذا مات الأب قبل أن يردها فإنها تكون لمن أعطيت له، ويكون بذلك آثماً، ولكن ما ذكرناه أولاً، وهو أنه يجب على المعطى أن يردها إذا لم يسمح إخوته بذلك هو الصواب؛ إبراءً لذمة الميت، وإحلالاً للمال من جهة الحي.