للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم القصر لمن نوى الإقامة أكثر من شهر]

رجل نوى الإقامة أكثر من شهر فهل يقصر أم يتم، يصلي الصلاة سنن الراتبة أم لا؟

إذا كان الإنسان نزل بلداً لغرضٍ مقصود، متى انتهى غرضه رجع إلى بلده، فهو مسافر، ولو بقي عشر سنوات؛ لأنه لم ينو الإقامة، وسواء عرف أن هذا الغرض ينتهي بمدة أم لا، فمثلاً: إنسان مريض قدم إلى بلد للعلاج، وهو يعرف أن علاجه لا يكفيه يوماً ولا يومين ولا شهراً ولا شهرين أيقصر أم لا؟ يقصر.

إنسان آخر قدم إلى البلد للدراسة، المريض قد يبرأ قبل المدة التي قدرها، لكن هذا إنسان قدم للدراسة يعلم أنه لا يمكن أن يغادر البلد قبل أن تنتهي الدراسة بأربع سنوات، لكن بعدما تنتهي الدراسة يرجع إلى بلده، وهو يقول في قرارة نفسه: لو أعطوني الشهادة بعد عشرة أيام فسأرجع، إذاً لم يتخذ هذا قراراً ولا وطناً فله أن يقصر، وهذه المسألة مسألة عظيمة وكبيرة وفيها خلاف بين العلماء كبير يزيد على عشرين رأياً، وقد قال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:٥٩] ولو رجعنا إلى كتاب الله لا نجد تحديداً لمدة أبداً، {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:١٠١] والضارب للأرض قد تطول مدته وقد تقصر، {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل:٢٠] آخرون تجار، التاجر إذا نزل بلداً هل يعرف أنه ينقضي في يومين أو ثلاثة أو ربما يعرف أنه لن ينقضي إلا مدة شهر؟ هو كذلك، لا يعرف أنه ينقضي إلا بشهر، فهو ضاربٌ في الأرض.

ثم الرسول عليه الصلاة والسلام هل قال للأمة يوماً من الأيام: من أراد منكم الإقامة أكثر من أربعة أيام أو خمسة أيام أو خمسة عشر يوماً، أو تسعة عشر يوماً، فليتم؟ لا.

هذه السنة بين أيدينا ما قال ذلك، بل هو عليه الصلاة والسلام أقام مدداً متفاوتة: أقام في مكة كم؟ في حجة الوداع كم؟ قدم مكة يوم أربعة وخرج منها صباح أربعة عشرة، كم أقام؟ عشرة أيام؛ ولهذا سئل أنس بن مالك: (كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم في مكة في حجة الوداع، قال: أقمنا بها عشراً) كم أقام في عام الفتح؟ تسعة عشر يوماً، أقام في تبوك عشرين يوماً، ولم يقل للناس: من أقام هذه المدة فليقصر ومن زاد فليتم، بل هو عليه الصلاة والسلام قدم مكة في اليوم الرابع، وجعل يقصر الصلاة، إلى أن رجع إلى المدينة، هل قال للناس: من قدم قبل اليوم الرابع فليتم؟ أبداً ما قال، وهو يعلم صلوات الله وسلامه عليه أن الحجاج يقدمون قبل اليوم الرابع، قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:١٩٧] متى تبدأ الأشهر؟ من شوال -من عيد الفطر- فهو عليه الصلاة والسلام يعلم أن الناس يقدمون قبل اليوم الرابع ولم يقل للحجاج: من قدم منكم قبل اليوم الرابع فليتم، والأصل بقاء السفر وأن يبقى الشيء على ما كان عليه حتى يقوم دليل واضح على أن الحكم انقطع، وقد تكلم شيخ الإسلام رحمه الله على هذه المسألة كلاماً جيداً في الفتاوى في باب صلاة الجمعة، وبين أن القول بأنه محدد بأيام لا دليل عليه.

وأنا أقول: إن الدليل على خلاف؛ لأنه لو كانت المدة محددة بأربعة أيام لقال الرسول صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة: من قدم منكم قبل اليوم الرابع فعليه أن يتم.

المهم: أن الإنسان إذا قدم إلى بلد يريد علماً أو تجارة أو زيارة قريب فهو مسافر ولو طالت المدة يترخص برخص السفر كلها.