قال تعالى:{وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ}[الذاريات:٤٦] أي: اذكر قوم نوح من قبل وهم أول أمة أرسل إليهم الرسول، ولكنهم كذبوا، وهذا الرسول نوح عليه الصلاة والسلام بقي فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله، ويذكرهم، ويعظهم، ولكنهم -والعياذ بالله- لم يؤمنوا {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}[هود:٤٠] حتى إنه عليه الصلاة والسلام يقول: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ}[نوح:٧](جعلوا أصابعهم في آذانهم) لئلا يسمعوا ما يقول، (واستغشوا ثيابهم) أي: تغطوا بها لئلا يبصروه -نسأل الله العافية- وهذا غاية ما يكون من البغضاء لما يقول وما يفعل، {وَأَصَرُّوا}[نوح:٧] على باطلهم {وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً}[نوح:٧] .
فكان آخر ما قال عليه الصلاة والسلام:{رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً}[نوح:٢٦] ودعا ربه: {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}[القمر:١٠] قال الله تعالى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}[القمر:١١-١٢] ولهذا -والله أعلم- سيكون عليهم نصيب من عذاب المكذبين؛ لأنهم هم أول أمة كذبت الرسل (ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) كما أن من قتل نفساً فإن على ابن آدم الذي قتل أخاه كفلاً ونصيباً من عذاب القاتل إلى يوم القيامة.