للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (الذي له ملك السماوات والأرض)]

ثم قال الله تعالى: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البروج:٩] له وحده ملك السماوات والأرض لا يملكها إلا هو عز وجل، فهو يملك السماوات ومن فيها، والأرضين ومن فيها، وما بينهما وما فيهما، كل شيء ملك لله، ولا يشاركه أحد في ملكه، وما يضاف إلينا من الملك فيقال مثلاً: هذا البيت ملك لفلان، هذه السيارة ملك لفلان، فهو ملك قاصر وليس ملكاً حقيقياً؛ لأنه لو أن إنساناً أراد أن يهدم بيته بدون سبب هل يملك ذلك؟ لا.

هذا حرام عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، لو أردت أن تحرق سيارتك بدون سبب هل تملك هذا؟ لا تملكه، حتى لو أنك فعلت لحجر القاضي عليك، ولأنه يمنعك من التصرف في مالك، مع أن الله قد منعك من قبل، إذاً ملكنا قاصر، والملك التام لله.

قوله: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [البروج:٩] مطلع عز وجل على كل شيء، ومن جملته ما يفعله هؤلاء الكفار بالمؤمنين من الإحراق بالنار وسوف يجازيهم على هذا يوم القيامة، ولكن مع فعلهم هذا الفعل الشنيع عرض عليهم التوبة، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:١٠] قال بعض السلف: انظر إلى رحمة الله عز وجل، يحرقون أولياءه ثم يعرض عليهم التوبة يقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} وإن تابوا فماذا؟ فلا شيء عليهم، فتأمل يا أخي الكريم! رحمة الله عز وجل؛ حيث يحرق هؤلاء الكفار أولياءه والتحريق أشد ما يكون من التعذيب.

ثم يقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} [البروج:١٠] قال العلماء: فتنوا بمعنى: أحرقوا كما قال تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} [الذاريات:١٣-١٤] فهؤلاء أحرقوا المؤمنين وأحرقوا المؤمنات، يأتون بالرجل وبالمرأة ويحرقونهم بالنار، يقول عز وجل: (ثم لم يتوبوا) أي: لم يرجعوا إلى الله {فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:١٠] لأنهم أحرقوا أولياء الله، فكان جزاؤهم مثل عملهم، جزاءً وفاقاً.

في هذه الآيات من العبر: أن الله سبحانه وتعالى قد يسلط أعداءه على أوليائه، فلا تستغرب إذا سلط الله عز وجل الكفار على المؤمنين وقتلوهم وحرقوهم وانتهكوا أعراضهم، لا تستغرب فلله تعالى في هذا حكمة.

المصابون من المؤمنين أجرهم عند الله عظيم، وهؤلاء الكفار المعتدون أملى لهم الله سبحانه وتعالى، وهو يستدرجهم من حيث لا يعلمون، والمسلمون الباقون لهم عبرة وعظة فيما حصل لإخوانهم، فما لنا نحن الآن نسمع ما يحصل في البوسنة والهرسك من الانتهاكات العظيمة انتهاك الأعراض، وإتلاف الأموال، وتجويع الصغار والعجائز، نسمع أشياء تبكي فنقول: سبحان الله! ما هذا التسليط الذي سلط الله على هؤلاء المؤمنين، نقول: يا أخي! لا تستغرب فالله سبحانه وتعالى ضرب لنا أمثالاً لمن سبقونا، يحرقون المؤمنين بالنار، فهؤلاء الذين سلطوا على إخواننا في البوسنة والهرسك وغيرها من بلاد المسلمين، لا تستغرب، فهذا فيه رفعة درجات للمصابين وتكفير سيئات، وهو عبرة للباقين، علينا أن نعتبر بهذا، وهو أيضاً إغراء لهؤلاء الكافرين حتى يتسلطوا فيأخذهم الله عز وجل أخذ عزيز مقتدر.

وأيضاً في هذه الآيات من العبر: أن هؤلاء الكفار لم يأخذوا على المسلمين بذنب إلا شيئاً واحداً، وهو أنهم يؤمنون بالله العزيز الحميد، وهذا ليس بذنب، بل هذا هو الحق، ومن أنكره فهو الذي يُنكر عليه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصر المسلمين في كل مكان، وأن يقينا شر أعدائنا، وأن يجعل كيدهم في نحورهم، إنه على كل شيء قدير.