هذه خمسة، أربعة منها وقتها النبي صلى الله عليه وسلم وثبت عنه ذلك في الصحيحين وغيرهما، وهي: ذو الحليفة، والجحفة، وقرن المنازل، ويلملم، وأما ذات عرق فإن النبي صلى الله عليه وسلم وقتها، لكن ذلك لم يثبت في الصحيحين بل هو في السنن، إلا أنه ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه وقتها، وعليه فلمن تكون هذه المواقيت؟ أما ذو الحليفة وهي: التي تسمى الآن أبيار علي، فهي لأهل المدينة ولمن مر بها من غير أهل المدينة.
وأما الجحفة والناس صاروا يحرمون من رابغ؛ لأن الجحفة كانت قرية فخربت، فيحرمون من رابغ، فهذه لأهل الشام ولمن مر بها من غير أهل الشام.
وأما قرن المنازل ويسمى السيف: فهو لأهل نجد والطائف، ومن مر به من غير أهل نجد والطائف.
وأما يلملم ويسمى السعدية الآن: فهو لأهل اليمن ولمن مر به من غير أهل اليمن.
وأما ذات عرق وتسمى الضريبة: فهي لأهل العراق ولمن مر بها من غير أهل العراق.
هذه المواقيت وقتها النبي صلى الله عليه وسلم، وكما يعلم كثير منا أنها تختلف بالقرب والبعد من مكة، فبعضها يصل إلى ثمان مراحل -أي: ثمانية أيام- وبعضها إلى يومين، وهذا الاختلاف توقيفي ليس لنا أن نقول: لماذا هذا بعيد عن مكة وهذا قريب؛ لأن هذا مما لا مجال للرأي فيه.
ومن مر بهذه المواقيت وهو يريد الحج أو العمرة وجب عليه أن يحرم منها، ولا يحل له أن يتأخر، ودليل هذا: ما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة) وهذا خبر بمعنى الأمر، فيكون واجباً على كل من مر بهذه المواقيت وهو يريد حجاً أو عمرة أن يحرم منها.
فإن مر بها وهو لا يريد حجاً ولا عمرة وإنما يريد مكة لزيارة قريب أو عيادة مريض أو تجارة أو علم أو غير ذلك فهو بالخيار، إذا كان قد أدى الفريضة إن شاء أحرم وإن شاء لم يحرم، وسواءٌ طال غيابه أم لا، وأما ما اشتهر عند العوام إذا كان قد طال غيابه عن مكة لمدة أربعين فأكثر فإنه لا بد أن يحرم وإلا فلا، فهذا لا أصل له، فالمدار على النية، هل هو يريد حجاً أو عمرة، فيلزمه من الميقات الذي مر به، وهل هو لا يريد ذلك فلا يلزمه، إلا أن يكون لم يؤد الفريضة.
فإن قال قائل: إنه من أهل جدة وقد ذهب من طريق المدينة يريد أهله لكن عنده نية أن يحج هذا العام فهل يلزمه الإحرام؟ قلنا: لا يلزمه الإحرام، لأن هذا الرجل إنما أراد أهله، ولكنه يريد أن يحج هذا العام، فلا يلزمه أن يحرم؛ لأنه في سفره هذا لا يريد الحج، وإنما يريد أهله، فلا يلزمه الإحرام؛ لمفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم:(ممن أراد الحج أو العمرة) .