قال تعالى:{وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ}[الضحى:١٠] هذا في مقابل قوله: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى}[الضحى:٧] إذاً السائل فلا تنهر، وأول ما يدخل في السائل هو: السائل عن الشريعة وعن العلم فلا تنهره؛ لأنه إذا سألك يريد أن تبين له الشريعة، فإنه واجب عليك أن تبينها له، لقول الله تبارك وتعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ}[آل عمران:١٨٧] لا تنهره، إن نهرته نفرته، ثم إن نهرته وهو يعتقد أنك فوقه يعني أنه لم يأت يسأل إلا أنه يعتقد أنك فوقه، إذا نهرته وهو يشعر أنك فوقه فأصابه الرعب، واختلفت حواسه، وربما لا يفقه ما يلقي إليك من السؤال أو لا يفقه ما تلقيه إليه من الجواب، وقس نفسك أنت، لو كلمت رجلاً أكبر منك منزلة ثم نهرك ضاعت حواسك، ولم تستطع أن ترتب فكرك وعقلك، لهذا لا تنهر السائل، وربما يدخل في ذلك أيضاً سائل المال، أي: إذا جاءك سائل يسألك مالاً فلا تنهره، لكن هذا العموم يدخله التخصيص، إذا عرفت أن السائل في العلم إنما يريد التعنت وأخذ رأيك ورأي فلان وفلان حتى يضرب آراء العلماء بعضها ببعض، إذا علمت ذلك فهنا لك الحق أن تنهره، وأن تقول: يا فلان، اتق الله ألم تسأل فلاناً؟ كيف تسألني بعدما سألته؟ أتلعب بدين الله، أتريد إن أفتاك الناس بما تحب سكت وإن أفتوك بما لا تحب ذهبت تسأل، هذا لا بأس؛ لأن هذا النهر تأديباً له، وكذلك سائل المال إذا علمت أن الذي سألك المال غني فلك الحق أن تنهره، ولك الحق أيضاً أن توبخه على سؤاله وهو غني.
إذاً هذا العموم:(السائل فلا تنهر) مخصوص فيما إذا اقتضت المصلحة أن ينهر فلا بأس.