في هذه السورة يبتدئ الله سبحانه وتعالى بكلمة (ويل) وهي كلمة وعيد، أي: أنها تدل على ثبوت وعيد لمن اتصف بهذه الصفات: (همزة لمزة) إلى آخره.
وقيل: إن (ويل) اسم لوادٍ في جهنم، ولكن الأول أصح.
قال تعالى:{لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}[الهمزة:١](كل) من صيغ العموم، والهمزة واللمزة: وصفان لموصوف واحد، فهل هما بمعنى واحد؟ أو يختلفان في المعنى؟ قال بعض العلماء: إنهما لفظان لمعنىً واحد، يعني: أن الهمزة هو اللمزة.
وقال بعضهم: بل لكل واحد منهما معنىً غير المعنى الآخر.
وثمَّ قاعدة أحب أن أنبه عليها في التفسير وغير التفسير وهي: وهو أنه إذا دار الأمر بين أن تكون الكلمة مع الأخرى بمعنىً واحد، أو لكل كلمة معنى فإننا نتبع الثاني، أي: نجعل لكل واحدة معنى؛ لأننا إذا جعلنا الكلمتين بمعنى واحد صار في هذا تكرار لا داعي له، لكن إذا جعلنا كل واحدة لها معنى صار هذا تأسيساً وتفريقاً بين الكلمتين، والصحيح في هذه الآية:(لكل همزة لمزة) أن بينهما فرقاً: فالهمز بالفعل واللمز باللسان، كما قال تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ}[التوبة:٥٨] الهمز بالفعل يعني: أنه يسخر من الناس بفعله، إما أن يلوي وجهه، أو يعبس بوجهه، أو ما أشبه ذلك، أو بالإشارة يشير إلى شخص يقول: انظروا إليه ليعيبه، أو ما أشبه ذلك.
فالهمز يكون بالفعل، واللمز باللسان، وبعض الناس -والعياذ بالله- مشغوف بعيب البشر إما بفعله وهو الهماز، وإما بقوله وهو اللماز، وهذا كقوله تعالى:{وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}[القلم:١٠-١١] .