قال تعالى:{لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً}[الواقعة:٦٥] ولم يقل عز وجل: (لو نشاء لم نخرجه) بل قال: {لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً}[الواقعة:٦٥] فبعد أن يخرج ويكون زرعاً وتتعلق به النفوس يجعله الله تعالى حطاماً، وهذا أشد ما يكون سبباً للحزن والأسف، لأن الشيء قبل أن يخرج لا تتعلق به النفوس، فإذا خرج وصار زرعاً ثم سلط الله عليه آفة فكان حطاماً -أي: محطوماً- لا فائدة منه، فهو أشد حسرة.
{فَظَلَتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}[الواقعة:٦٥-٦٧] أي: تبكون بالكلام تريدون أن تذهبوا الحزن عنكم، فتقولون:{إِنَّا لَمُغْرَمُونَ}[الواقعة:٦٦] أي: لحقنا الغرم بهذا الزرع الذي صار حطاماً، ثم تستأنفون، فتقولون:{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}[الواقعة:٦٧] أي: حرمنا هذا الزرع وصار حطاماً ففقدناه.
ثم انتفل الله عز وجل إلى مادة أخرى، هي مادة الحياة وهي الماء، فقال:{أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ}[الواقعة:٦٨] أخبروني عنه من الذي خلقه؟ من الذي أوجده؟ {أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ}[الواقعة:٦٩] ؟
بل أنت يا ربنا! يعني: هل أنتم أنزلتم الماء الذي تشربونه من المزن -أي: من السحاب- أم نحن المنزلون؟ الجواب: هو الله عز وجل، لأنه ينزل من السحاب فيبقى غيراناً في الأرض وما شربته الأرض يسلكه الله تعالى ينابيع في الأرض يُستخرج بالآلات من الآبار ويجري من العيون، فأصل الماء الذي نشربه من المزن -من السحاب- ولذلك إذا قل المطر في بعض الجهات قل الماء وغار واحتاج الناس إلى الماء.