الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: نفتتح لقاءنا هذا، وهو اللقاء الثاني من شهر ربيع الثاني، يوم الخميس الحادي والعشرين من شهر ربيع الثاني عام (١٤١٤هـ) ، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا جميعاً في أعمارنا وأعمالنا، وأن يجعل خير أعمارنا آخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا وأسعدها يوم نلقاه.
هذه اللقاءات المباركة بين العلماء وطلبة العلم، وبين طلبة العلم وعوام الناس، لا شك أنها لقاءات خيرة ونافعة، تجعل الناس يستبصرون في دينهم، ويتآلفون فيما بينهم، ويشكو بعضهم إلى بعض حوائجه ونوائبه، ولا غرابة في ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) وهذا هو الواجب في حق الأمة الإسلامية أن تكون جسداً واحداً، إذا تألم منه عضو تألم سائر الجسد له حتى يبرأ ويهدأ، وكذلك يجب أن يكونوا كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك النبي صلى الله عليه وسلم بين أصابعه إشارةً إلى أن البنيان كلما تراصّ وتلاءم كان أقوى له.
لقاءاتنا هذه ولله الحمد فيها بركة، يستفيد منها الحاضرون، ويستفيد منها المستمعون، ويستفيد منها السامعون بما مَنَّ الله به علينا في هذا الزمن من تسهيل الأشرطة المنتشرة بين الناس.
فقد يكون الإنسان قائداً لسيارته وهو يستمع إلى الشيخ يحدثه بدون تعب ولا ملل، ويكون الإنسان مضطجعاً في فراشه وهو يستمع إلى العلم، كل هذا بما مَنَّ الله به علينا من هذه الأشرطة، ولذلك نرى ولله الحمد آثار هذه الأشرطة في البيوت عند الصغار والكبار والنساء والرجال، وهذا لا شك أنه من الخير والبركة.
ومن عادتنا أننا نفتتح اللقاء بكلام على آيات من القرآن الكريم، ابتدأناها بسورة النبأ حتى وصلنا إلى سورة البروج، واخترنا هذا الجزء؛ لأنه يكثر سماعه من الناس في الصلوات، والقرآن الكريم لم ينزل لمجرد التلاوة بل نزل للتلاوة وللتدبر وللتذكر، كما قال تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص:٢٩] وكان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون العشر آيات حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل.
والذي ليس له حظ من القرآن إلا التلاوة هو أمي في الحقيقة، كما قال الله تعالى:{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ}[البقرة:٧٨] أي: إلا قراءة، فوصفهم الله بأنهم أميون، مع أنهم يقرءون، فلا بد من أن يتعلم المسلمون معاني القرآن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الذي يسمى (مقدمة في علم التفسير) قال: إن الناس لو جعل لهم كتاب يدرسونه في الطب أو في أي علم كان، فلا بد أن يفهموا معناه حتى يستفيدوا منه، فإذا كان هذا في الكتب العلمية التي هي من كلام البشر، فكيف بأم العلم وأصل العلم الذي هو من كلام الله عز وجل، فهو أولى وأجدر أن نعتني به، ونفهم معناه وتفسيره، ونتلقاه من أئمة التفسير الذين عُرفوا بصحة العقيدة وسلامة المنهج.