للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (والفجر)]

فنقول وبالله نقول: قال الله سبحانه وتعالى: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر:١-٤] كل هذه أيمان: بالفجر، وليال عشر، والشفع، والوتر، والليل إذا يسر.

خمسة أشياء أقسم الله تعالى بها.

الأول: الفجر؛ والفجر: هو النور الساطع الذي يكون في الأفق الشرقي قرب طلوع الشمس، وبينه وبين طلوع الشمس ما بين ساعة واثنتين وثلاثين دقيقة إلى ساعة وسبع عشرة دقيقة، ويختلف باختلاف الفصول، فأحياناً تطول الحصة ما بين الفجر وطلوع الشمس، وأحياناً تقصر حسب الفصول، والفجر فجران: فجر صادق وفجر كاذب، والمقصود بالفجر هنا: الفجر الصادق، والفرق بين الفجر الصادق والكاذب من ثلاثة وجوه: الوجه الأول: الفجر الكاذب يكون مستطيلاً في السماء، ليس عرضاً ولكنه طولاً، وأما الفجر الصادق فيكون عرضاً، يمتد من الشمال إلى الجنوب.

الوجه الثاني: أن الفجر الصادق لا ظلمة بعده بل يزداد الضياء حتى تطلع الشمس، وأما الفجر الكاذب فإنه يكون بعده ظلمة؛ يحدث بعده ظلمة بعد أن يكون هذا الضياء، ولهذا سمي كاذباً؛ لأنه يضمحل ويزول.

الوجه الثالث: أن الفجر الصادق متصل بالأفق، أما الفجر الكاذب فبينه وبين الأفق ظلمة.

هذه ثلاثة فروق أفقية حسية يعرفها الناس إذا كانوا في البر، أما في المدن فلا يعرفون ذلك؛ لأن الأنوار تحجب هذه العلامات.

- وأقسم الله بالفجر؛ لأنه ابتداء النهار، وهو في الحقيقة انتقال من ظلمة دامسة إلى فجر ساطع.

- وأقسم الله به؛ لأنه لا يقدر على الإتيان بهذا الفجر إلا الله عز وجل، كما قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ} [القصص:٧١] .

- وأقسم الله بالفجر؛ لأنه يترتب عليه أحكام شرعية، مثل إمساك الصائم؛ فإنه إذا طلع الفجر وجب على الصائم أن يمسك إذا كان صومه فرضاً، أو نفلاً إذا أراد أن يتم صومه، ويترتب عليه أيضاً دخول وقت صلاة الفجر، وهما حكمان شرعيان عظيمان، أهمهما: دخول وقت الصلاة، أي: أنه يجب أن نراعي الفجر من أجل دخول وقت الصلاة أكثر مما نراعيه من أجل الإمساك في حال الصوم، لماذا؟ لأننا في الإمساك عن المفطرات في الصيام لو فرضنا أننا أخطأنا فإننا بنينا على أصل وهو بقاء الليل، لكن في الصلاة لو أخطأنا وصلينا قبل الفجر لم نكن بنينا على أصل؛ لأن الأصل بقاء الليل وعدم دخول وقت الصلاة، ولهذا لو أن الإنسان صلى الفجر قبل دخول وقت الصلاة بدقيقة واحدة فصلاته نفل، ولا تبرأ بها ذمته، ومن ثم ندعوكم أيها الإخوة! إلى ملاحظة هذه المسألة، أعني: العناية بدخول وقت صلاة الفجر؛ لأن كثيراً من المؤذنين يؤذنون قبل الفجر، وهذا غلط؛ لأن الأذان قبل الوقت ليس بمشروع؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) ومتى يكون حضور الصلاة؟ إذا دخل وقتها، فلو أذن الإنسان قبل دخول وقت الصلاة فأذانه غير صحيح، ويجب عليه الإعادة، والعناية بدخول الفجر مهمة جداً من أجل مراعاة وقت الصلاة.