للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإثبات المفصل والنفي المجمل في الأسماء والصفات]

من قواعد أهل السنة والجماعة: إثبات أسماء الله عز وجل وصفاته، والنفي يكون مجملاً، فهل يمكن أن يأتي الإثبات مجملاً وأن يأتي مفصلاً؟ وإذا أمكن هذا فهل يؤدي هذا إلى الخروج عن القاعدة السابقة؟

أولاً: أسماء الله وصفاته إذا جاءت في الإثبات فالأكثر فيها التفصيل، وشاهد هذا واضح في القرآن والسنة، تجد مثلاً قول الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشر:٢٢] إلى آخر السورة فيها أربعة عشر اسماً من أسماء الله، كل اسم يتضمن صفة أو صفتين؛ وذلك لأن صفات الإثبات كلها صفات كمال، فكلما تعددت وكثر الإخبار عنها ظهر من كمال الموصوف ما لم يكن معلوماً من قبل.

أما صفات النفي فإنها صفات نقص، نفاها الله تعالى عن نفسه، وإذا وقعت على سبيل الإجمال كانت أعظم في التعظيم، ولو جاءت على سبيل التفصيل لكان فيها شيء من الاستهزاء والسخرية.

وأضرب لكم مثلاً بما يكون في بني آدم: لو أن رجلاً قال لملك من الملوك: أنت رجل ذو سلطان قائم، أنت رجل حازم، أنت رجل قوي، أنت رجل تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أنت رجل شديد على الكفار رحيم بالمؤمنين، أنت رجل ذو سلطة قوية، أنت رجل يخافك الأعداء.

لكانت هذه الصفات كلها مدحاً يفخر بها الملك.

لكن لو قال له: أنت ملك لست بزبال، ولا كناس، ولا منظف حشوش، ولا حلاق، ولا حجام.

وجعل يذكر صفات النقص وينفيها عن الملك؛ لكان هذا قدحاً يغضب منه الملك، فلهذا جاءت الصفات المنفية عن الله جل وعلا مجملة، مثل قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:٦٥] وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [الإسراء:١١١] وما أشبه ذلك، إلا أنها تذكر أحياناً بالتفصيل؛ وذلك لدفع توهم يقع من بني آدم، أو لرد فرية قالها المفترون.

فمثلاً قال الله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} [المؤمنون:٩١] هذه صفة نفي خاصة؛ لكن قالها عز وجل ونفاها عن نفسه رداً على المفترين الذين قالوا: إن الله تعالى اتخذ ولداً، فالنصارى قالوا: المسيح ابن الله، واليهود قالوا: عزير ابن الله، والمشركون قالوا: الملائكة بنات الله.

أو جاءت لدفع توهم وبيان كمال، مثل قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:٣٨] اللغوب: الإعياء والتعب، وهو صفة خاصة، لكن نفاها الله عن نفسه لئلا يتوهم متوهم بأن الله تعب لما خلق هذه المخلوقات العظيمة في هذه المدة الوجيزة، فنفاها عن نفسه، فصار الغالب في صفات الإثبات التفصيل، وفي صفات النفي الإجمال.

وقد يأتي التفصيل في باب النفي، كما يأتي الإجمال في باب الإثبات، كقوله تعالى: {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل:٦٠] المثل الأعلى، أي: الوصف الأكمل، وهذه عامة ليس فيها تفصيل.