للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ثم إن علينا حسابهم)]

قال تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:٢٥-٢٦] نحاسبهم، قال العلماء: وكيفية الحساب ليست مناقشة يناقش الإنسان؛ لأنه لو نوقش هلك؛ لو يناقشك الله عز وجل عن الحساب هلكت، أو ناقشك في نعمة من النعم كالبصر، لا يمكن أن تجد أي شيء تعمله يقابل نعمة البصر، أو نعمة النفس؛ النفس الذي يخرج ويدخل بدون أي مشقة وبدون أي عناء، فالإنسان يتكلم وينام ويأكل ويشرب، ومع ذلك لا يحس بالنفس ولا يعرف قدر النفس إلا إذا أصيب بما يمنع التنفس، وحينئذ يذكر نعمة الله؛ لكن ما دام في عافية فهو عنده شيء طبيعي، لكن لو أنه أصيب بكتم النفس لعرف قدر النعمة، فلو نوقش لهلك، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ عائشة: (من نوقش الحساب عذب) ، لكن كيفية الحساب؟ أما المؤمن فإن الله تعالى يخلو به بنفسه ليس عندهما أحد ويقرره بذنوبه، فعلت كذا فعلت كذا فعلت كذا؛ حتى إذا أقر بها قال الله تعالى: (قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) .

وأما الكفار فلا يحاسبون هذا الحساب؛ لأنه ليس لهم حسنات تمحو سيئاتهم، لكنها تحصى عليهم أعمالهم ويُقررون بها أمام العالم ويخزون بها، وينادى بهم على رءوس الأشهاد {هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:١٨] نعوذ بالله من الخذلان.

وبهذا ينتهي الكلام على هذه السورة العظيمة، وهي إحدى السورتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما في المجامع الكبيرة، فقد كان يقرأ في صلاة العيدين: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:١] {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:١] وكذلك في صلاة الجمعة، ويقرأ أحياناً في العيدين {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق:١] {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:١] وفي صلاة الجمعة يقرأ سورة الجمعة والمنافقين، ينوع مرة في هذه ومرة في هذه.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن تكون وجوههم لسعيها راضية، وأن يتولانا بعنايته في الدنيا والآخرة إنه على كل شيء قدير، والله تعالى أعلم.