للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وجاءت سكرة الموت)]

قال تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} [ق:١٩] :- السكرة هنا هي: تغطية العقل، كالإغماء ونحوه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن للموت سكرات) وعلى هذا فيكون قوله: {سَكْرَةُ الْمَوْتِ} : مفرداً مضافاً، فيشمل الواحدة أو أكثر.

وقوله: {بِالْحَقِّ} : أي: أن الموت حق كما جاء في الحديث: (الموت حق، والجنة حق، والنار حق) ، فهي تأتي بالحق، وتأتي أيضاً بحق اليقين؛ فإن الإنسان عند الموت يشاهِد ما تُوُعِّد به وما وُعِدَ به؛ لأنه إن كان مؤمناً بُشِّر بالجنة، وإن كان كافراً بُشِّر بالنار، أعاذنا الله وإياكم منها.

{ذَلِكَ} أي: الموت.

{مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} اختلف المفسرون في (مَا) هل هي نافية، فيكون المعنى: ذلك الذي لا تحيد منه، ولا تنفك منه، أم أنها موصولة والمعنى: ذلك الذي كنت تحيد منه؛ ولكن لا مفر منه.

فعلى الأول: يكون معنى الآية: ذلك الذي لا تحيدون منه، بل لابد منه، وقد قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة:٨] ، وتأمل يا أخي: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} ولم يقل: فإنه مدرككم، وما ظنك بشيء تفر منه وهو يلاقيك، إن فرارك منه يعني دنوك منه في الواقع، لو كنت فاراً من شيء وهو يقابلك، فكلما أسرعت في الجري أسرعت في ملاقاته، ولهذا قال: {فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} .

في الآية الثانية: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) [النساء:٧٨] ؛ لأنه ذكر في هذه الآية الثانية أن الإنسان مهما كان في تحصنه فإن الموت سوف يدركه على كل حال.

هنا يقول: {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:١٩] يعني: ذلك الذي لا محيد لك عنه.

المعنى الثاني في (مَا) : أن تكون موصولة، إي: ذلك الذي كنت تحيد منه وتفر منه في حياتك قد وصلك وأدركك.

وعلى كل حال ففي الآية التحذير من التهاون بالأعمال الصالحة، والتكاسل عن التوبة، وأن الإنسان يجب أن يبادر؛ لأنه لا يدري متى يأتيه الموت.