[حكم استقدام العمال وأخذ المال على استقدامهم]
فضيلة الشيخ! شخصٌ لديه مكتب استقدام أيدٍ عاملة، يقوم بإحضار العمال من الخارج؛ ولكنه يأخذ مبلغاً من المال مقابل إحضار هذا العامل، والمصلحة للعامل كبيرة جداً، فحتى لو دفع مبلغاً، وأتى إلى هنا واشتغل فستكون مصلحته لا تقارن مع المرتبة التي يكون قد سلَّم المبلغ فيها، فهل هذا جائز لصاحب المكتب أن يأخذ من العامل مبلغاً مقابل إحضاره إلى هنا؛ ليشتغل ويستلم الرواتب ويتحسن وضعُه؟
أولاً: ننصح مكاتب الاستقدام ألا تستقدم إلا مسلمين:- ألا يستقدم الكفار، لا من النصارى، ولا من غيرهم، لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب) .
وقال في مرض موته: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) .
وقال: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أدع إلا مسلماً) .
كل هذه أحاديث صحيحة! وأين نحن إذا وقفنا بين يدي الله عز وجل وكنا نستقدم هذه الجنود والجحافل العظيمة من غير المسلمين إلى بلاد نشأ فيها الإسلام، وهي مأوى الإسلام أولاً وآخراً؟! (الإيمان يأرِزْ إلى المدينة -أي: يرجع- كما تأرز الحية إلى جُحرها) .
إذاً: بلادنا منشأ الإسلام ومَرَدُّ الإسلام.
ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر وقال: (ويل للعرب من شر قد اقترب، قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم.
إذا كثر الخَبَث) ومَن هم الخَبَث؟! أما تقرءون القرآن؟! {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:٢٨] كل مَن سوى المسلم فهو نَجَس.
فإذا كثر الخَبَث سواء من العمال أو من العمل هَلَكَ الناسُ.
فنصيحتي لمكاتب الاستقدام: ألا يستقدموا إلا مسلماً.
قد يقولون: إن الاختصاص قد يكون في الكفار، ولا نجد من المسلمين رجلاً مختصاً بهذا العمل، أي: يُتْقِنُه! فنقول: إذا قدَّرنا هذا، فلماذا يأتي عاملٌ في زراعة؟! أو يأتي عاملٌ فيكون راعياً؟ أو يأتي عامل فيكون في كناسة البلدية؟! هل هذا لا يعرفه المسلمون؟! أنا أسألكم! هل المسلم لا يُحسن هذا أم أنه يُحسن؟ يُحسن.
فعلى كل حال هذه نصيحتي للمستقدمين، وليعلموا أن الله سيسألهم يوم القيامة عما خالفوا به شريعته.
ثانياً: ألا يستقدم إلا إذا كانت هناك حاجة بيِّنة لهذا العامل:- ولكن مع الأسف صار استقدام العمال الآن مُتَّجراًَ، صار الواحد يجلب من العمال ما يزيد على حاجته أضعافاً مضاعفة، ويَكُدُّهُم بالسوق، ويأخذ عليهم ضريبة؛ كل شهر كذا وكذا! وهذا حرام شرعاً، ومخالف للدولة نظاماً.
أما إذا توفر هذان الشرطان، وهما: أن يكون مسلماً.
وأن يكون بقدر الحاجة.
ثم أخذ منه شيئاً لاستقدامه، وإذا لم يصلح له وردَّه ردَّ عليه ما أخذ فلا بأس؛ لأنه مما هو معروف أنه يكون بين العامل والمستقدم ثلاثة شهور تجربة، فإذا لم يصلح العامل ردَّ عليه ما أخذ، فأرجو ألا يكون به بأس.
أما إذا كان لا يردُّه فهذا يعني أنه ربح والعامل المسكين خسر، وقد يكون باع ما وراءه وما دونَه -كما يقولون- لأجل أن يعطي هذا القدر الذي طلبه المستقدم، ثم بعد أن يقعد شهراً أو شهرين يقال له: ارجع، ليس لك شيء.
وأزيد على هذا: أن بعض الكفلاء يكُدُّون المكفولين، ويأخذون منهم العمل الذي بينهم وبينهم، أو ربما أكثر، ثم لا يعطونهم الأجور، وكثيراً ما يأتينا عمال يبكون؛ لأنهم لا يعطَون أجوراً، ويموتون من الجوع، ويُجْعَلون في دور قديمة، ويُحشر العشرات في دار لا تتحمل إلا نصفَهم، وهذا حرام على الكفلاء، قال الله عز وجل في الحديث القدسي: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجلٌ أعطى بي ثم غدر، ورجلٌ باع حراً وأكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيراً، فاستوفى منه ولم يعطه أجره) .
فنصيحتي للكفلاء: أن يتقوا الله عز وجل في هؤلاء الفقراء، وأن يعطوهم حقهم، وألا يكلفوهم أكثر مما تم عليه العقد، وليعلموا أن الدنيا دولٌ، فلعلهم في يوم من الأيام يكونون كهؤلاء العمال، يذهبون إلى بلادهم مِن فَقْرٍ كما جرى من قبل، حيث كان الناس من قبل يذهبون إلى الهند والشام والعراق من الفقر، أفلا يمكن أن ترجع هذه الحال؟! أجيبوا! بلى.
يمكنها أن ترجع، فالله على كل شيء قدير.
فإذا كان الله أنعم علينا بهذه النعمة الآن -ولله الحمد- إن لم نشكرها زالت، {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:٧] .