[دروس وعبر من مرور الأيام وتقضي الزمان]
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء المتمم للثلاثين بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو أول يوم من شهر محرم عام ١٤٢١هـ أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعله عام خير وبركة ونصر وعز للإسلام والمسلمين.
نتكلم في هذه المناسبة على مرور الزمان والأيام، مرور الزمان والأيام كما تعلمون لحظات ودقائق، وساعات وأيام، وشهور وسنوات، كلها تمر وكأنها ساعة من النهار، لو سألت نفسك: كم سنة مرت عليك كم شهراً كم يوماً كم ساعة كم دقيقة كم لحظة؟ لوجدتها وإن طالت كأنها ساعة، قال الله عز وجل: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف:٣٥] .
وعلينا أن نعتبر المستقبل بالماضي، فسيمر المستقبل إن طالت بنا الحياة، سيمر كأنه ساعة، وهذا يجعل المسلم بل المؤمن الحازم في أتم الاستعداد ليوم المعاد، بحيث لا تمضي عليه ساعة إلا وقد عمرها بطاعة الله، إن كان يريد العمر الحقيقي، لأن عمر الإنسان حقيقة هو ما أمضاه في طاعة الله، وما بقي فهو خسارة عليه، إما عذاب وإما سلامة، وما أقل السلامة.
تأمل في الدنيا كلها تجد أنها إقبال وإدبار، ففي اليوم يطلع الفجر منيراً للأفق ثم يزداد إنارة وقوة، ثم يتراجع إلى النقص والاضمحلال بالكلية، تجد القمر أول ما يبدو هلالاً صغيراً كالعرجون القديم ثم يتزايد نوراً حتى يتم ثم يتراجع إلى النقص، هكذا عمر الإنسان يبدو الإنسان مستقبلاً الحياة بنشاط وحزم ثم يعود فيضعف ثم يزول.
قال الله عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم:٥٤] .
أوصيكم -أيها الإخوة- بالمبادرة واغتنام الأوقات، وكثرة التوبة والاستغفار كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أيها الناس! استغفروا الله وتوبوا إليه، فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة) هذا وهو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي أخبر الله أنه فتح له فتحاً مبيناً ليغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أكثروا من الذكر، أكثروا من التسبيح والتحميد، وهذا لا يضر، لأنه عمل لسان، وعمل اللسان ليس فيه تعب.
أكثروا من العمل الصالح ما استطعتم، أحسنوا الخلق مع الله عز وجل ومع العباد، ابذلوا ما تستطيعون من الخير والنفع، فإن ذلك من أسباب انشراح الصدر واطمئنان القلب.
وفكر في نفسك ماذا عملت في هذا اليوم؟ إن وجدت نفسك عملت خيراً فاحمد الله، فإنه بتوفيق الله، ولولا توفيق الله لك ما عملت، وإن عملت سوى ذلك فتدارك تدارك بالتوبة، فإن التوبة تهدم ما قبلها، وما أسرع ما نقول: دخل العام ثم خرج.
فالعام الذي مضى كأنه ساعة من نهار، وهكذا ما يستقبل، ولا سيما في آخر الدنيا، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر: أنه يتقارب الزمان، بينما أنت في أول أسبوع وإذا الجمعة، وفي أول الشهر وإذا الهلال، وفي أول السنة وإذا الهلال، بسرعة فائقة، وهذا مصداق الحديث: (ويتقارب الزمان) وليس المعنى كما ظنه بعض أهل العلم: اتساع البلدان حتى يقرب بعضها من بعض، وتكون المسافة التي بين البلدتين يومين بعد أن كانت أربعة أيام، وليس كذلك أيضاً سرعة الاتصالات أو المواصلات بل أهم شيء أن الله سبحانه وتعالى يجعل الزمن بعضه قريبٌ من بعض، وهذا هو الواقع.
اللهم ارزقنا اغتنام الأوقات بالأعمال الصالحات، وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار.