قال تعالى:{إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ}[الغاشية:٢٣-٢٤] قال العلماء: (إلا) هنا بمعنى: لكن، أي: أن الاستثناء في الآية منقطع وليس بمتصل، والفرق بين المتصل والمنقطع أن المتصل يكون فيه المستثنى من جنس المستثنى منه، والمنقطع يكون أجنبياً منه -فمثلاً- لو قلنا: إنه متصل لكان معنى الآية: لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر فأنت عليهم مسيطر، وليس الأمر كذلك، بل المعنى: لكن من تولى وكفر بعد أن ذكرته فيعذبه الله العذاب الأكبر، فمن تولى وكفر بعد أن بلغه الوحي النازل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه سيعذب {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ}[الغاشية:٢٣] .
التولي أي: الإعراض، فلا يتجه للحق ولا يقبل الحق ولا يسمع الحق، حتى لو سمعه بإذنه لم يسمعه بقلبه كما قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ}[الأنفال:٢٠-٢١] أي: لا ينقادون.
فهنا يقول عز وجل:{إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ}[الغاشية:٢٣] تولى: أعرض، كفر: أي: استكبر، ولم يقبل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم {فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ}[الغاشية:٢٤] يوم القيامة، قال الله تعالى:{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ}[السجدة:٢١] والعذاب الأكبر يوم القيامة، وهنا قال: الأكبر ولم يذكر المفضل عليه، أي: لم يقل: الأكبر من كذا، فهو قد بلغ الغاية في الكبر والمشقة والإهانة -والعياذ بالله- كل من تولى وكفر فإن الله يعذبه العذاب الأكبر.