[كلمة توجيهية لترشيد مسيرة الصحوة الإسلامية]
يُلاحَظ ولله الحمد في الآونة الأخيرة ازدياد أهل الصحوة وانتشارها في هذا البلد ولله الحمد؛ ولكن نلاحظ أن كثيراً من الشباب الذي يلتزم يصل إلى حد معين من الالتزام ثم يثبت عليه، ويكون مقداراً ضعيفاً وهشاً من الالتزام، وبانتشار هذه الظاهرة أصبحت هناك غثائية في الالتزام، فكثرت الأعداد بدون نتائج، فما رأيكم في الأسباب التي أدت إلى ذلك، والعلاج؟
الواقع أن الصحوة ولله الحمد انتشرت في هذه البلاد وفي غيرها؛ لكن الصحوة يصحبها اندفاع قوي توجبه العاطفة الدينية، ثم يندفع الإنسان إلى أن يصل إلى القمة ثم يرجع، والأمور تحتاج إلى تَمَهُّل؛ لأن الاندفاع الشديد كجر الحبل بقوة، يوشك أن ينقطع؛ لكن بالتأني والتروِّي يستقيم الإنسان.
فالصحوة هذه -في الحقيقة- تحتاج إلى قيادة رشيدة عندها علم بشريعة الله، وعندها حكمة في معالجة الأوضاع والتوجيه السليم.
وبالإمكان أن يرجع الشباب في كل بلد إلى من تتوفر فيه هذه الشروط: الأول: العلم بالشرع.
الثاني: الرشد في التصرف.
الثالث: الحكمة.
فإذا حصل هذا كان طيباً.
ثم أيضاًَ ينبغي على رؤساء الشباب في كل بلد فيه الصحوة أن يكون لهم اجتماعٌ، وتَدارُسٌ في الأمور، إما في مكة، عن طريق أخذ العمرة، وإما في المدينة، وإما في أي بلد شاءوا؛ لكن أسهل شيء وأحسن شيء في مكة والمدينة؛ لأجل أن يتدارسوا أحوال الشباب، ويوجهوهم التوجيه السليم، حتى لا يتفرقوا هنا وهناك.
ثم إن هذا الفتور الذي يعتري الإنسان بعض الأحيان أمرٌ معهود حتى في عهد الصحابة رضي الله عنهم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعظهم ويتكلم معهم حتى يكونوا كأنهم يرون الآخرة رأي العين، فإذا ذهبوا إلى أهليهم وعافسوا النساء والأولاد حصلت منهم الغفلة، فشكوا ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لهم: (ساعة وساعة) .
فالإيمان في القلوب كأمواج البحر، أحياناً يهدأ وأحياناً يموج، والشيطان أيضاً عدوٌ مترصِّد، كما قال الله عنه أنه قال: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف:١٦-١٧] ، وعجز أن يقول: ومِن فوقهم؛ لأن مِن فوقهم الله عزَّ وجلَّ، فهو يهاجم كلما وَجَدَ فرصةً للهجوم.
والعجيب أنه يهجم على وَجْهٍ قد لا يشعر به الإنسان، فإذا رأى في الإنسان تمسكاً بالدين هَجَم عليه من جهة الغُلُو، أو من جهة الوسواس، حتى يحصل به هذا المرض ولا يفعل العبادات، فبعض الناس من شدة ما يرى من الوسواس يصير لا يصلي نسأل الله العافية ويعجز، ويكاد أن يغمى عليه ويموت إذا أراد الصلاة، وإذا رأى الشيطانُ في الإنسان تهاوناً خَذَّله زيادةً حتى ينسلخ من الدين وهو لا يشعر.
وخلاصة القول: أني أرى في هذه الصحوة أن تكون مبنية على أساس من العلم بالشرع، ومن العلم بالتصرُّف، وكيف يتصرف الإنسان؛ لأن لكل مقامٍ مقال.
انظر هذا المثال: لو أن ابنك فعل معصية، وشيخُك فعل معصية، هل تنكر على شيخك كما تنكر على ابنك؟! الجواب: لا.
فابنُك تصيح به، وتوبِّخه، وتضربه، ولا تبالي.
لكن هل شيخك مثلاً تصيح به أو توبخه؟! أبداً.
بل تأتيه بلطف، وتقول: فعلتَ كذا وكذا، وكنتُ أحسب أنه حرام.
هكذا تقول، فلن تقول: فعلتَ كذا وكذا، وعصيتَ الله، اتقِ الله، وإن كان هذا حقاً.
ولا مانع من أن يقول الإنسان لأتقى الناس: اتقِ الله، فها هو الرب عزَّ وجلَّ يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب:١] في أول سورة الأحزاب، وفي أثنائها يقول: {وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب:٣٧] ؛ لكن لكل مقام مقال.
فإذا رأيت مثلاً من شيخك معصية فَعَلَها ابنُك الذي وبَّختَه وضربتَه فلا يمكن لك أن تعامل شيخَك بمثل هذه المعاملة، بل تعامله باللطف واللين الذي يحصل به المقصود.
كذلك مما أشرتُ إليه: أنه ينبغي أن يتخذ الشباب في كل بلد شخصاً يقتدون به، ويَسْتَقون منهاجهم منه، ويكون هذا الشخص على جانب كبير من العلم ومن الرشد في التصرف.
ثم إن هؤلاء الذين اختيروا لقيادة الشباب يكون لديهم اجتماعات للبحث والنظر في أمر الشباب حتى يُصلحوا ما اعوجَّ منهم؛ لأن بعض الشباب تكون عنده عاطفة قوية قوية جداًَ حتى لو كان أمامه باب لَكَسَره، وحتى أنه ربما يأتي إلى شخص يسأله عن مسألة، وإذا أفتاه بغير ما يشتهي قال: أنت مبتدع، أنت لا تعرف، ثم يهجره.
فهذا ليس بصحيح، بل الواجب على الشاب أن يكون عنده أدب، وإذا أُفتي بغير ما يراه يُناقش.
والواجب على العلماء الذين يفتون الشباب أن يقدروا ظرف الشاب، وأن يخاطبوه بما يجذب محبته إليهم، وأن يبينوا له بالهدوء، والشاب الذي عنده صحوة دينية يكفيه أن تقول له: قال الله، وقال رسوله، والشاب الذي دون ذلك يحتاج مع قول الله ورسوله إلى دليل آخر من العقل، وهو الدليل العقلي، حتى إن بعض الناس الآن من الشباب لا يستفيد بالقرآن والسنة، بل يستفيد بالعقل، وإن كان هذا خطأ لا شك فيه؛ لكني أقول: لا بد أن تُطَعَّم الأدلة الشرعية مع ناقص الإيمان بدليل من العقل ليقتنع، ولهذا تجدون القرآن مملوءاً بالأدلة العقلية؛ لأنه يخاطب قوماً ليس عندهم من الدين ما يحملهم على قبول الحق من الكتاب والسنة؛ ولكن إذا كان عند الإنسان دين كفاه ما في الكتاب والسنة، قالت امرأة لـ عائشة رضي الله عنها: [ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟] الحائض لا تصوم ولا تصلي؛ ولكن يجب عليها أن تقضي الصوم ولا يجب أن تقضي الصلاة، فتقول: ما بالها؟! لماذا؟! ما الفرق؟! كلها فريضة، كلها من أركان الإسلام، ماذا قالت عائشة؟! قالت: [كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة] فاستدلت لها بالشرع؛ نؤمر بهذا ولا نؤمر بهذا، وما دمنا لم نؤمر فالذمة بريئة.
لكن هل هذا يكفي لمن كان ناقص الإيمان؟ الجواب: لا.
فهذه تريد الدليل العقلي.
قال العلماء في تعليل ذلك عقلياً: لأن الصوم لا يتكرر، فهو يأتي في السَّنَة مرة، أما الصلاة فتتكرر، فمن حين أن تطهُر المرأة تجدها شارعة في الصلاة، فهذا يعوِّض هذا، فلا تُقْضَى الصلاة، والصوم يُقضى، وهذا تعليل واضح.