[تفسير قوله تعالى: (وهو العزيز الحكيم)]
قال تعالى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحديد:١] (العزيز) ذو العزة, والعزة هي: الكبرياء والغلبة والسلطان وما أشبه ذلك, إذاً العزيز هو ذو السلطان الكامل والغلبة الكاملة فلا أحد يغلبه عز وجل, يقول الشاعر الجاهلي:
أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب ليس الغالب
إذاً: (العزيز) الغالب في سلطانه وقدرته وقوته وغير ذلك.
(الحكيم) : لها معنيان: المعنى الأول: ذو الحكمة.
والمعنى الثاني: ذو الحكم التام.
فهي مشتقة من شيئين: من الحكمة والحكم, الحكمة هي: أن جميع أفعاله وأقواله وشرعه حكمة وليس فيها سفه بأي حال من الأحوال, ولهذا قيل في تعريف الحكمة: هي وضع الأشياء في مواضعها اللائقة بها, فما من شيء من أفعال الله أو من شرع الله إلا وله حكمة, إذا قدر الله الحر الشديد الذي يهلك الثمار فهو حكمة بلا شك, وإذا منع الله المطر فهو حكمة, وإذا ألقى الله الموت بين الناس فهو حكمة, كل شيء له حكمة, الشرائع إذا أحل الله البيع وحرم الربا فهو حكمة في تحليله وحكمة في تحريمه, لأنا نعلم أن الله حكيم, ففرق عز وجل بين البيع والربا؛ فالبيع أحله، والربا حرمه، وإذا قال قائل: لماذا؟ قلنا: الله أعلم، الله عز وجل حكيم, ولهذا لما قالت المرأة لـ عائشة رضي الله عنها: (يا أم المؤمنين! ما بال الحائض تقضي الصوم إذا حاضت في رمضان ولا تقضي الصلاة؟ -سؤال فيه إشكال- قالت لها -رضي الله عنها-: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) استدلت رضي الله عنها بالحكم على الحكمة, لأنا نعلم أن الله عز وجل حكيم, فلم يوجب عليها قضاء الصوم دون قضاء الصلاة إلا لحكمة, لكننا أحياناً نعرف الحكمة وأحياناً لا نعرفها.
البيع والربا لماذا أحل الله البيع وحرم الربا؟ نقول: لأن الله أحل البيع وحرم الربا, ولذلك لما قال أهل الربا: إنما البيع مثل الربا, رد الله قولهم، فقال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة:٢٧٥] .
إذاً الحكيم: مشتق من الحكمة وهي: وضع الشيء في موضعه, فإذا حكم الله بشيء شرعاً أو حكم بشيء قدراً فلا يشكل عليك, إن وفقك الله لمعرفة الحكمة فهذا خير, وإن لم تعرف فاعلم أن الله حكيم.
أيضاً: له الحكم عز وجل, قال الله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف:٤٠] فالحكم لله عز وجل, من يستطيع أن يرفع حكم الله عز وجل فيما إذا نزل به الموت؟ لا أحد.
قال الله تعالى: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة:٨٣-٨٧] لا يمكن هذا, لأن الله حكم بهذا, إذا حكم عز وجل بحروب وفتن، من يرفع هذا؟ الله عز وجل, الحكم له.
في الأمور الشرعية من الذي يحكم بين الناس بالشرع؟ الله عز وجل، قال الله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:١٠] فالحكم لله عز وجل, فإذا عرفت أن الله تعالى له الحكمة فيما شرع وفيما خلق وقدَّر حينئذٍ تستسلم ولا تجادل؛ لأن الذي حكم بذلك هو الله, إذا علمت أن الحكم لله عز وجل بين العباد فإلى أي شيء ترجع في الأمور الشرعية؟ إلى الكتاب والسنة, وفي الأمور القدرية ترجع إلى الله, إذا حكم عليك بالمرض تفزع إلى الله عز وجل, إذا حكم عليك بالفقر تفزع إلى الله: اللهم اقض عني الدين وأغنني من الفقر.
فإذا آمن الإنسان بأن الحكم كله لله, إن كان حكماً قدرياً استسلم، وقال: هذا أمر الله وأنا عبد الله ولا يمكن أن يكون سوى ما كان, وإذا كان شرعياً، قال: الله عز وجل أعلم وأحكم بما يصلح للعباد.