فضيلة الشيخ! ما هو ضابط العالم الذي يحق له الاجتهاد في المسائل النازلة؟
أولاً بارك الله فيك الاجتهاد نوعان: اجتهاد خاص في مسألة من المسائل.
واجتهاد عام.
فأما الاجتهاد الخاص فكل طالب علم يمكنه أن يبحث في المسألة ويتعمق فيها، وحينئذ يلوح له وجه الصواب في أحد القولين.
ومع ذلك لا ننصح طالب العلم المبتدئ حتى لو اجتهد في مسألة وحرضها وبحث فيها ورأى فيها أقوال العلماء لا ننصحه بأن يتسرع في الإفتاء؛ لأنك تخاف، خطر عظيم، إذ إنه قيادة للأمة على أمر مجتَهَد فيه، وقد يكون صواباً وقد يكون خطأً، ولهذا نجد بعض الإخوة الذين عندهم شيء من مبادئ العلم إذا اجتهدوا فأفتوا أنهم يندمون؛ لأنهم بعد أن يتقدم بهم السن ويعرفون العلم تماماً يجدون أنهم أخطئوا في هذا.
ولذلك فمن أخطر ما يكون على طالب العلم التعجل في الفتوى، وما دام الأمر والحمد لله واسعاً، وهناك من هو أكبر منك سناً وقدراً في العلم، وأكثر منك وأغزر فالأمر موكول إليهم، أما أنت انتظر، الأمر آت إليك.
وأما الاجتهاد العام المطلق فهذا يحتاج إلى علم واسع، وقد ذكر العلماء في باب أصول الفقه أن له شروطاً عشرة بعضُها مُسَلَّم وبعضها غير مُسَلَّم؛ لكن لا يمكن لإنسان أن يكون عنده اجتهاد مطلق عام إلا إذا كان متبحراً في العلوم؛ في علم العربية، وعلم التفسير، وعلم الحديث، وعلم المصطلح، وعلم أصول الفقه، يعني: في كل ما يحتاج إليه ما المقصود بالاجتهاد الخاص الذي ذكرناه سابقاً؟ افرض -مثلاً- أنك تريد أن تبحث هل الجد حكمه حكم الأب فيُسقِط الإخوة أو لا؟ هذا محل خلاف بين العلماء، خلاف مشهور، إنسان -مثلاً- اجتهد في هذا، فأخذ يطالع كتب العلماء ومناقشاتهم والأدلة لهؤلاء وهؤلاء، فلاح له بعد البحث والمناقشة أن الصواب أن الجد حكمه حكم الأب يُسقِط الإخوة، هذا له أن يفعل؛ لكن -كما قلت لكم قبل ذلك- إذا كان صغيراً يعني لِتَوِّه بادئاً يطلب العلم فلا يُقْدِم على الفتوى، إذا بان له -مثلاً- أن الصواب في كذا فليسأل العالم الآخر الذي هو أكبر منه قدراً ويستشيره.