فضيلة الشيخ! حفظك الله، هل يجوز دفع الزكاة في بلد غير بلد المزكي، مع العلم أنه يعرف شخصاً فقيراً وفي حاجة إلى الزكاة في بلدٍ آخر؟
إذا تميز إخراج الزكاة عن البلد بميزة شرعية مثل أن يكون له أقارب في بلدٍ آخر فلا بأس، وأما بدون تمييز فإنه لا يجوز أن تنقل عن بلد المال؛ لأن أهل بلد المال أحق من غيرهم، بل إن بعض العلماء لا يُجَوِّز أن تنقل عن بلد المال إلا إذا لم يكن فيه مستحقون للزكاة.
وبهذا نعرف احتياط الشرع في مثل هذه الأمور، ولكن الذي ينبغي أن يسأل عنه ونحن الآن في زمنه: مسألة الأضاحي الذين يدعون إلى أن يأخذوا دراهم المسلمين من أجل أن يضحوا بها في الخارج، فهذه دعوة غير صحيحة، لا تخاطر بدينك، الأضحية شعيرة من شعائر الله، كما قال الله عز وجل:{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}[الحج:٣٦] الأضحية عبادة تتقرب إلى الله تعالى بذبحها، وهذه القربة مقرونة بالصلاة، قال الله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر:٢] ، وقال تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ}[الأنعام:١٦٢-١٦٣] .
الأضحية يذكر الإنسان ربه عليها، ويتقرب إليه بذبحها، وليس المقصود منها اللحم، المقصود منها إقامة الشعيرة والتعبد لله تعالى بالذبح، قال الله تعالى:{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}[الحج:٣٧] وانظر إلى هدي نبيك عليه الصلاة والسلام: كان يخرج بأضحيته إلى المصلى ليذبحها في المصلى لإظهار هذه الشعيرة ويذبحها بيده صلوات الله وسلامه عليه، لكن إذا أعطينا الدراهم أين إظهار الشعيرة؟! ربما لو تكالب الناس على هذا وانكبوا عليه ألا يكون في البلد أضحية؛ لأن الناس يسهل عليهم أن يخرج مائتي ريال أو ثلاثمائة ريال أو خمسمائة ريال من جيبه ويعطيها هذه اللجنة، يسهل عليه، فإذا ظن أن هذا مثل أن يذبحها في بلده فقد أخطأ، ومن أفتاه بأن هذا مثله أو أفضل فقد أخطأ، ثم هذه الدراهم التي تذهب إلى الخارج لا تدري من يتولى الذبح، قد يتولاها صاحب بدعة مكفرة لا تحل ذبيحته، وقد يتولاها من لا يصلي، وقد يتولاها من لا يعرف شروط الأضحية فيضحي بصغير أو بمعيب، وقد يضحي بها بعد خروج وقت الأضحية، وقد لا يسمي الله عليها عمداً أو نسياناً، ثم لو انتفى كل هذا وقدم للإنسان مائة رأس وذبح لمن هذه الذبيحة؟ لأي شخص من الناس؟ أسأل لمن هذه الذبيحة؟ لا ينويها عن فلان ولا عن فلان، وكأنها دراهم تؤخذ للصدقة، يأخذ من كيسه ريالاً ويتصدق به، هذا ليس بصحيح، لا بد أن تعيَّن: هذه أضحية فلان بن فلان، وإلا ما صحت، لا يصح لك أن تجمع مائة رأس، وتقول: اذبح باسم الله اذبح اذبح! لمن؟ إذا قدرنا أنه أعطاك مائة نفر وذبحت أول واحدة عمن تنويها عن آخر واحد أو عن أول واحد مع أنهم لا يدرون من الأول والآخر، فيقع المذبوح عنه مبهماً لا يدرى من هو، فالمسألة خطيرة، وأهم شيء أن تراعي الشعيرة في البلاد الإسلامية وألا يذهب بها إلى بلاد أخرى، ولو كانت البلاد الأخرى إسلامية، إن الله عز وجل حكيم لما فقد أهل الأوطان أن يتقربوا إلى الله بالهدي كما يفعله الحجاج شرع لهم الأضحية حتى يقيموا شعائر الله في بلادهم كما أقام الحجاج شعائر الله في مكة، كيف نغفل هذا المعنى العظيم لمجرد أننا ننفع إخواننا، أنا أقول: انفع إخوانك لكن بماذا؟ بالدراهم، بالنفقات، بالملابس، بالفرش، بالخيام، بأي شيءٍ تريد، باللحم، اذبح لحماً وأرسله لهم، لكن شعيرة من شعائر الله تترك التقرب إلى الله بها وتكلها إلى فلانٍ وفلان من لا يعلم من هو.
أرجو منكم بارك الله فيكم أن تحذروا منها كل إخوانكم، في كل مجلس نبهوا الناس على هذا، لا يضيعوا هذه الشعيرة:{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}[الحج:٣٦] شعائر الله أن يذهب بها يميناً ويساراً، ويمضي عليك العيد وكأنك لم تضح.
أرجو منكم التعاون على البر والتقوى بأن تنبهوا إخوانكم على ذلك، وتقولوا: الحمد لله الباب مفتوح أرسل دراهم لإخوانك في البلاد الأخرى واذبح، أو اذبحها هنا وكل وأرسل لهم لحماً، أليس الله سبحانه وتعالى يقول:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا}[الحج:٣٦] فبدأ بالأكل قبل الإطعام، وهل التي تذبح في أبعد بلادٍ عنك تأكل منها؟ أبداً.
مسألة الهدي بارك الله فيك: فيه مشقة في منى على العاجز دون الإنسان الحازم؛ لأن هناك أناساً من منطقتنا يذهبون إلى منى ويذبحون، ومن حين ما يخرج من مكان الذبح الناس يتلقفونه: أعطونا أعطونا، لكن الناس فيهم كسل، ويتعبون إذا رأوا هذه اللحوم، وربما تكون في اليوم الثاني لها رائحة، فأنت احرص على ألا تعطي لتجعل شحناء، احرص أنك أنت تذهب وأهل منطقتك وتأخذون لكم هدياً وتذهبون وتبعدون وتذبحونها في مزدلفة أو في أي مكان، لكن لا تذبحوها خارج الحرم؛ لأن ذبحها خارج الحرم عند كثيرٍ من العلماء لا يجزئ، لا بد أن تذبح داخل حدود الحرم في مزدلفة في جهة الشرائع لكن داخل الأميال في كل مكان.
وبهذا ينتهي هذا اللقاء، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.