للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (إن شانئك هو الأبتر)]

ثم قال تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر:٣] هذا في مقابل إعطاء الكوثر قال: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} (شانئك) أي: مبغضك، والشنئان البغض, ومنه قوله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} [المائدة:٢] أي: لا يحملنكم بغضهم أن تعتدوا, وقال: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} أي: لا يحملنكم بغضهم على ترك العدل فقال سبحانه وتعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:٨] , فـ {شَانِئَكَ} أي: مبغضك.

{هُوَ الْأَبْتَرُ} الأبتر اسم تفضيل, من بتر يعني قطع, أي: هو الأقطع المنقطع من كل خير, وذلك أن كفار قريش يقولون: محمد أبتر, لا خير فيه ولا بركة فيه، ولا في اتباعه, أبتر لما مات ابنه القاسم رضي الله عنه قالوا: محمد أبتر, لا يولد له, وإذا ولد له فهو مقطوع النسل, فبين الله عز وجل أن الأبتر هو مبغض الرسول عليه الصلاة والسلام, فهو الأبتر المقطوع عن كل خير, الذي ليس فيه بركة وحياته ندامة عليه, وإذا كان هذا في مبغضه فهو أيضاً في مبغض شرعه, فمن أبغض شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام، أو أبغض شعيرة من شعائر الإسلام، أو أبغض أي طاعة مما يتعبد به الناس في دين الإسلام فإنه كافر خارج عن الدين, لقول الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:٩] وما حبطوا في العمل إلا بالكفر, فمن كره فرض الصلوات فهو كافر ولو زكّى, ومن كره فرض الزكاة فهو كافر ولو صلّى, لكن من استثقلها مع عدم الكراهة فهذا فيه خصلة من خصال النفاق لكنه لا يكفر, وفرق بين من استثقل الشيء ومن كره الشيء.

إذاً: هذه الآية تضمنت بياناً لنعمة الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بإعطائه الخير الكثير, ثم الأمر بالإخلاص لله عز وجل في الصلوات والنحر وكذلك في سائر العبادات, ثم بيان أن من أبغض الرسول عليه الصلاة والسلام أو أبغض شيئاً من شريعته فإنه هو الأقطع الذي لا خير فيه ولا بركة فيه.