قال تعالى:{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}[الطور:٦] كلمة (البحر) قيل: إن المراد به البحر الذي عليه عرش الرحمن عز وجل كما قال تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}[هود:٧] .
وقيل: المراد به البحر الذي في الأرض؛ لأنه مشاهد، المعلوم الذي فيه من آيات الله ما يبهر العقول.
والصحيح: أن المراد به بحر الأرض؛ لأن (أل) في البحر للعهد الذهني، أي: البحر المعهود الذي تعرفونه، فأقسم الله به لما فيه من آياته العظيمة: من أسماك، وأمواج، وغير هذا مما نعلمه ومما لا نعلمه، ومن أعظم ما فيه من آيات الله ما أشار إليه تعالى في قوله:(المسجور) أي: الممنوع، ومنه سجر الكلب يعني: في اللغة ليس المعنى هنا، في اللغة يقال: سجرت الكلب يعني: ربطته حتى لا يهرب، البحر المسجور: الممنوع بقدرة الله عز وجل.
إننا نعلم جميعاً أن الأرض كروية، وهذا البحر لو نظرنا إليه بمقتضى الطبيعة لكان يفيض على الأرض؛ لأنه لا يوجد جدران تمنع، والأرض كروية مثل الكرة، فلو نظرنا إلى هذا البحر بمقتضى الطبيعة لقلنا: لابد أن يفيض على الأرض فيغرقها، ولكن الله تبارك وتعالى أمسكه بقدرته سبحانه وتعالى، فهو مسجور -أي: ممنوع- من أن يفيض على الأرض فيغرق أهلها، وهذه آية من آيات الله، صب -مثلاً- فوق كرة من الكرات ماءً أين يذهب؟ يغمرها يميناً وشمالاً، لكن هذا البحر لا يمكن أن يفيض على الأرض بقدرة الله سبحانه وتعالى، وانظر إلى الحكمة أحياناً تأتي أيام المد والجزر نفس البحر يمتد امتداداً عظيماً لعدة أمتار وربما أميال، ثم ينحسر من الذي مده ولو شاء لبقي ممتداً فتغرق الأرض فمن الذي رده؟ إنه الله، ولهذا كان هذا البحر جديراً بأن يقسم الله به.
في البحر آيات عظيمة يقال: إنه ما من شيء على البر من حيوان وأشجار إلا وله نظير في البحر، بل أزيد؛ لأن البحر بالنسبة لليابس يمثل نحو (٧٠%) كبير جداً، ففيه من الأشياء ما ليس في البر، يعني: توجد سمكة على شكل إنسان، وعلى شكل ذئب، وعلى شكل طبلة، وعلى شكل حية، وعلى شكل عقرب، وفيه أشياء لا نرى لها نظيراً في البر، هذه من آيات الله عز وجل.
والبحر المسجور، إذاً أعظم آية في البحر هو أنه مسجور أي: ممنوع من أن يفيض على الأرض فيغرق أهلها.
وقيل المراد بالمسجور هو الذي سيسجر أي: يوقد كما قال الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}[التكوير:٦] أي: أوقدت، فهذان قولان، البحر المسجور يعني القول الأول: الممنوع، والبحر المسجور الذي سيسجر أي: يوقد، وهذا متى يكون؟ يوم القيامة، هذا الماء الذي نشاهده الآن والذي لو سقطت فيه جمرة أو مر على جمرة لأطفأها؛ يوم القيامة يكون ناراً، يسجر هذا الماء ويكون ناراً، هذا من آيات الله عز وجل، هذان قولان: الأول: المسجور الممنوع من أن يفيض على الأرض فيغرق أهلها.
الثاني: المسجور الذي سيسجر أي: يوقد، وذلك يوم القيامة.
هل يمكن أن نقول: إن المراد به المعنيان جميعاً؟ نعم، لأنه لا منافاة بين هذا وهذا، فكلاهما من آيات الله عز وجل، يعني: أنه سواء قلنا: المسجور الممنوع من أن يفيض على الأرض، أو المسجور الذي سيسجر أي: يوقد، فكل هذا من آيات الله.