[من أصول أهل السنة والجماعة]
ما هي أصول المسائل التي مَن خالفها فقد خالف منهج أهل السنة والجماعة؟
هذه الأصول ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية، والعقيدة الواسطية كتابٌ مختصر معروف عند أكثر طلبة العلم؛ لكنه كتاب مبارك، فيه خير كثير.
ذكر رحمه الله لما أنهى الكلام على قصد السنة فقال: إن أهل السنة والجماعة وسَطٌ في فِرَق هذه الأمة، كما أن الأمة وسط في الأمم.
فأمتنا -ولله الحمد- وسط بين الأمم؛ بين اليهود والنصارى، في العقيدة، وفي الأعمال.
أولاً: في العقيدة:- نجد أن اليهود تنقَّصوا الله عزَّ وجلَّ حتى وصفوه بصفات المخلوقين الذميمة.
ماذا قالوا؟! {قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ} [آل عمران:١٨١] ، وقالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:٦٤] ، وقالوا: إن الله تعبَ، فاستراح يوم السبت بعد خَلْق السماوات والأرض، فأَلْحَقوا الخالق بالمخلوق.
والنصارى على العكس، أَلْحَقوا المخلوق بالخالق، وجعلوا عيسى بن مريم إلهاً مع الله، {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة:١١٦] .
ثانياً: في الأعمال:- ففي الرسالات: اليهود كذبوا الأنبياء، وقتلوا الأنبياء بغير حق، والنصارى غالَوا في الأنبياء، وجعلوا عيسى إلهاً.
أما هذه الأمة -ولله الحمد- فقد خالَفَتْهم في هذين الأصلين وقالوا: إن الله سبحانه وتعالى موصوف بصفات الكمال، وأنه لا مِثْل له، ولم يصل أحد من المخلوقين إلى ما يختص بالله من الصفات.
وفي الرسل: قالت هذه الأمة: عباد الله ورسله، ليس لهم حق من الربوبية ولا من الألوهية، وهم صادقون مصدوقون.
وفي الحلال والحرام: نجد أن الله تعالى ضيَّق على اليهود المأكولات، {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام:١٤٦] .
والنصارى يستحلون كل خبيث، ويأكلون ما هبَّ ودبَّ، وهذه الأمة أحل الله لهم الطيبات، وحرم عليهم الخبائث.
وفي مسألة الحائض: نجد أيضاً أن اليهود لا يقربون الحائض، ولا يؤاكلونها، ولا يجتمعون معها في بيت، والنصارى بالعكس لا يهتمون بالنجاسات.
وهذه الأمة -ولله الحمد- وسط، يأكلون مع الحائض، ويجالسونها، ويباشر الرجل زوجته الحائض بما عدا الجماع.
فالحاصل: أن هذه الأمة وسط بين الأمم.
كذلك أهل السنة والجماعة وسط بين فِرَق الأمة في الأصول الخمسة التي ذكرها رحمه الله.
الأصل الأول: في باب الأسماء والصفات:- هم وسط بين الممثلة والمعطلة، فـ الممثلة: طائفة تقول: صفات الله تعالى كصفاتنا؛ فوجه الله كوجوهنا، وعينه كأعيننا، ويده كأيدينا، وما أشبه ذلك.
والمعطلة بالعكس، فهم ينكرون ما وصف الله به نفسه، ويقولون: ليس لله وجه، ولا يد، ولا عين، وما أشبه ذلك، و {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء:٤٦] في هذه الأمور.
الأصل الثاني: في القَدَر:- كذلك أهل السنة والجماعة وسط في القَدَر، فهناك طائفتان ضالتان في مسألة القَدَر: الطائفة الأولى: الجبرية، تقول: إن الإنسان مُجْبَر على عمله، ولا اختيار له ولا إرادة، والطائفة الأخرى: القدرية، تقول: الإنسان مستقل بنفسه، وليس لله فيه تعلُّق، يفعل بدون مشيئةٍ من الله، وبدون خَلْق.
وأهل السنة والجماعة قالوا: إن الإنسان يفعل باختياره، وهو مختارٌ مُخَيَّر؛ ولكن أيَّ فعل يفعله فهو بمشيئة الله تعالى وخلقِه.
الأصل الثالث: في أسماء الإيمان والدِّين:- ففي أسماء الإيمان والدين نجد من الفرق المخالِفة: المعتزلة، والخوارج، من جهة، والمرجئة من جهة أخرى.
قالت المعتزلة والخوارج: إن الإنسان إذا زَنَى خرج من الإيمان، فلا يكون مؤمناً، ولا يَصْدُق عليه أنه مؤمن أبداً.
وقالت المرجئة وهم ضدهم: إن الإنسان وإن زَنَى وسرق فهو مؤمن كامل الإيمان، إيمانه مثل إيمان أطوع الناس لله.
وقال أهل السنة والجماعة: إذا زَنَى الإنسان أو سرق فإنه مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته.
الأصل الرابع: في الأحكام:- ففي أحكام الإنسان على فعله، ماذا يكون إذا فعل الكبيرة، قالت المعتزلة والخوارج: إنه يخلد في النار مع المنافقين؛ مع أبي جهل، وأبي لهب، وغيرهم، وقالت المرجئة: لا.
بل فاعل الكبيرة لا يدخل النار أبداً، ولا يمكن.
وأهل السنة والجماعة قالوا: إنه يستحق العقاب، وقد يغفر الله له.
الأصل الخامس: في أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام:- وهو الأصل الخامس الذي ذكره شيخ الإسلام، فأصحاب الرسول انقسمت فيهم أهل البدع إلى قسمين: قسمٌ كفَّروهم وضلَّلوهم كـ الرافضة، إلا آل البيت فإنهم غالَوا فيهم وأنزلوهم فوق منزلتهم، فصاروا ضالين في الصحابة من وجهين: مِن جهة تكفير وتضليل، عدا آل البيت، ومن جهة الغُلُو في آل البيت.
وهناك قسم ضدهم يُسَمَّى: الخوارج وهم النواصب، فقد كفروا علي بن أبي طالب، وخرجوا عليه، وقاتلوه، واستحلوا دمه.
أما أهل السنة والجماعة فقالوا: الصحابة رضي الله عنهم خير القرون وأفضل الأمة، ولهم حقهم الذي يجب علينا، ولآل النبي صلى الله عليه وسلم على المؤمنين به حقُّ القرابة مع الإيمان والصحبة إذا كانوا من الصحابة؛ ولكننا لا نغلو فيهم كما فعل الرافضة، ولا نقدح فيهم كما فعلت الخوارج، بل نعطي حقهم من غير غُلُو ولا تقصير.
كذلك من الأصول التي يختلف فيها أهل السنة وأهل البدع: الخروج على الأئمة: فـ الحرورية هؤلاء الخوارج خرجوا على إمام المسلمين، وكفَّروه، وقاتلوه، واستباحوا دماء المسلمين من أجل ذلك.
وأما أهل السنة والجماعة فيقولون: علينا أن نسمع ونطيع لولي الأمر فعل ما فعل من الكبائر والفسق ما لم يصل إلى حد الكفر البواح، فحينئذ نقاتله إذا لم يترتب على قتاله شر وفتن، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الخروج على الأئمة إلا بشروط وقال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) ، أربعة شروط: الأول: أن تروا، أي: بأعينكم، أو تعلموا ذلك.
الثاني: كفراً، لا فسقاً، أي: حتى لو رأى أنه يزني، أو يسرق، أو يقتل النفس المحرمة بغير حق، دون استباحة لذلك، فإنه ليس كافراً بل هو فاسق من جملة الفاسقين، ولا يحل لنا أن نخرج عليه، فالرسول قال: كفراً.
الثالث: بواحاً أي: صريحاً لا يمكن فيه التأويل، فإن أمكن فيه التأويل فإننا لا نكفره، ولا نخرج عليه.
الرابع: عندكم فيه من الله برهان، يعني: ليس الكفر الذي رأيناه بواحاً كفراً بقياس أو ما أشبه ذلك؛ بل يكون عندنا فيه برهان، ودليل واضح من الكتاب والسنة.
هذه أربعة شروط، وهناك شرط خامس يؤخذ من الأدلة الأخرى، وهو: أن يكون عندنا قدرة على إزاحة هذا الحاكم الكافر الذي كَفَرَ كفراً صريحاً عندنا فيه من الله برهان، فيكون لنا قدرة على ذلك، فإن لم يكن لنا قدرة صار الشر الذي نريد إزالته أكثر مما لو تركناه على حاله، ثم حاولنا بطريق أو بأخرى الإصلاح ما استطعنا.
ولهذا يخطئ بعض الإخوة الذين عندهم -ولله الحمد- غيرة إسلامية ودين، يخطئون حينما يخرجون على مَن ولَّاه الله تعالى إياهم، والله حكيم، فهو الذي يولِّي بعض الظالمين بعضاً، ولا تظنوا أن الولاة إذا ظلموا أو اعتدوا أن هذا تسليط من الله تعالى لمجرد مشيئة من الله، بل هو لحكمة؛ لأن الله قال: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:١٢٩] .
والولاة لا يتسلطون على الرعية إلا بسبب الرعية، (كما تكونون يُوَلَّى عليكم) ، فبعض الناس الذين يحاولون الخروج على من ولاه الله عليهم ولو بالقوة هم يخطئون في الواقع من أوجه: الأول: أنه لابد من العلم بما حصل من هذا الذي ولاه الله عليهم، فلابد أن نعلم، فمجرد الكلام الذي يُنْقَل لا ينبغي أن يُصدَّق، وكم نُقِل إلينا من أقوال كاذبة، سواء في الولاة، أو فيمن هم دون الولاة، فإذا تحققنا وجدنا أنه لا أصل لها، ولهذا جاء الحديث: (إلا أن تروا كفراً) .
الثاني: إذا رأينا هذا الشيء بأعيننا، أو تواتر إلينا من ثقات، فلابد أن نعرضه على الكتاب والسنة، وننظر هل هو كفر أو فسق؟! الثالث: لابد أن يكون بواحاً، إذا ظننا أنه كفر فلا بد أن ننظر هل فيه برهان من الله؟ هل هو كفر صريح لا يحتمل التأويل؟ لأنه قد يكون كفراً؛ لكن يُعْذَر فيه الإنسان من جهة التأويل.
فلابد أن يكون بواحاً، صريحاً، واضحاً لا يحتمل التأويل.
الرابع: لابد أن يكون عندنا فيه من الله برهان، وهو الدليل القاطع الواضح.
وإنما ضيق النبي عليه الصلاة والسلام ذلك، أي: الخروج على الأئمة بهذه القيود التي قد يظنها بعض الناس صعبة؛ لأن ما يترتب على الخروج أشد ضرراً مما هم عليه.
وأنتم تشاهدون الآن ما حصل من الثورات، هل كانت الشعوب أسعد بعد الثورة منها قبل الثورة؟ أبداً.
بل بالعكس، وليس هناك حاجة إلى أن نعين بلاداً معينة في هذا المكان؛ لأن الأمر واضح.
فالمهم أن ننصح إخواننا المسلمين بعدم التسرع