قال تعالى:{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}[التكاثر:٢] يعني: إلى أن زرتم المقابر، يعني: إلى أن متم، فالإنسان مجبول على التكاثر إلى أن يموت، بل كلما ازداد به الكبر ازداد به الأمل، فهو يشيب في السن، ويشب في الأمل، حتى إن الرجل له تسعون سنة مثلاً تجد عنده من الآمال وطول الأمل ما ليس عند الشاب الذي عمره خمس عشرة سنة.
هذا معنى الآية الكريمة، أي: أنكم تلهوتم بالتكاثر عن الآخرة إلى أن متم.
وقيل إن معنى:{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}[التكاثر:٢] حتى أصبحتم تتكاثرون بالأموات كما تتكاثرون بالأحياء، فيأتي الإنسان فيقول: أنا قبيلتي أكثر من قبيلتك، وإذا شئت فاذهب إلى القبور، عد القبور منا وعد القبور منكم فأيهم أكثر، لكن هذا قول ضعيف، بعيد من سياق الآية، والمعنى الأول هو الصحيح، هو أنكم تتكاثرون إلى أن تموتوا.
وقوله:{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}[التكاثر:٢] استدل به عمر بن عبد العزيز رحمه الله: على أن الزائر لا بد أن يرجع إلى وطنه، وأن القبور ليست بدار إقامة.
وكذلك ذكر عن بعض الأعراب أنه سمع قارئاً يقرأ:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}[التكاثر:١-٢] فقال: والله لنبعثن، لأن الزائر كما هو معروف يزور ويرجع فقال: والله لنبعثن، وهذا هو الحق، وبهذا نعرف أن ما يذكره بعض الناس الآن في الجرائد وغيرها، يقول عن الرجل إذا مات: إنه انتقل إلى مثواه الأخير، أن هذا كلام باطل وكذب؛ لأن القبور ليست هي المثوى الأخير، بل لو أن الإنسان اعتقد مدلول هذا اللفظ لصار كافراً بالبعث، والكفر بالبعث ردة عن الإسلام، لكن كثيراً من الناس يأخذون الكلمات ولا يدرون ما معناها، ولعل هذه موروثة عن الملحدين الذين لا يقرون بالبعث بعد الموت.