للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسائل حول الدعوة والغربة والكتب]

سمعت بعض الدعاة يقول: إن الإنسان إذا دعا الله سبحانه وتعالى في بلاده قد ينزل الله سبحانه وتعالى الهداية في بلاد أخرى، وكذلك قولهم: إن هذه الكتب هي ألفاظ الدين وليست الدين، يعني: الدين هو الحركة، وكذلك قولهم: إن الغربة الآن هي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، فهم يقولون: إن الغريب الآن ليس هو الذي يصلي ويصوم ويحج وليس في ذلك غرابة، وإنما الغريب الآن هو الداعي إلى الله سبحانه وتعالى، فما صحة هذه الأقوال؟

لا صحة لذلك؛ لأنك إذا دعوت الله دعاء محدداً تقول: اللهم اهد هؤلاء، اللهم اهد أهل هذه البلدة، فإما أن يستجيب الله دعاءك ويهتدي هؤلاء، وإما أن يصرف عنك وعن أهل البلد من السوء ما هو عظيم، وإما أن يدخر لك أجرها إلى يوم القيامة، أما أن يهتدي قوم في محل آخر لم تدع الله لهم فإن دعاءك ليس سبباً لهدايتهم.

السائل: فضيلة الشيخ! إنما أقصد زيارتهم في بيوتهم ودعوتهم إلى الله ولم أقصد الدعاء لهم؟ الشيخ: كيف ذلك؟ كيف إذا دعوت مثلاً أهل بلد معينة، كيف يهتدي قوم ما دعوتهم؟ السائل: يستدل أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا أهل مكة ثم اهتدى الأنصار في المدينة؟ الشيخ: هذا ليس بصحيح؛ لأن هداية الأنصار لها سبب غير دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل مكة، السبب أن عندهم أناساً من اليهود، واليهود عندهم كتاب، وعندهم علم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم سيبعث في مكة، وسيهاجر للمدينة، يعرفون ذلك كما يعرفون أبناءهم، كما في القرآن، والأنصار -الأوس والخزرج- لهم اختلاط باليهود في المدينة وكانوا يسمعون هذا، فلما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم سافروا إليه وبايعوه بيعتي العقبة، والأمر في هذا مشهور، فهداية الأنصار سببها أنهم كانوا يعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيبعث وأن وقته قد حان فذهبوا إليه وبايعوه.

أما المسألة الثانية: قولهم إن هذه الكتب في ألفاظ الدين، والدين هو الحركة والدعوة إلى الله، يعني من الناس الآن ربما يأتي من الجامعة ويذكر الناس فلا يستفيدون؛ لأن ما قاله ألفاظ الدين، ولكن إذا أخذت الإنسان وسافرت به، وتحركت به ربما يكون في هذه الحركة الفائدة المطلوبة.

هذا أيضاً جهل منه، فكتاب الله عز وجل القرآن أشرف الكتب، سماه الله تعالى كتاباً ولا شك أنه الدين، تلاوته دين، وتأمل معناه دين، والعمل به دين، فالكتب هذه وسيلة لتَعَلُّم الناس الدين، وقراءتك للقرآن دين، وقراءتك للكتب التي فيها فائدة دين، وقراءتك للوسائل التي تدلك على معاني كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم كلها دين.

أما الحركة فنعم هي من الدين فالعمل الصالح لا شك أنه من الدين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) مع أن الله قال: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإسْلامُ} [آل عمران:١٩] فهذا هو الإسلام، لكن إطلاق أن الكتب ليست من الدين هذا خطأ وقصور، هي دين لأنها تدل على الدين.

السائل: يقال: إن الغرباء الآن هم أهل الدعوة أو الدعاة؛ لأن المصلي والحاج ليس غريباً، والذي يصوم ليس عليه غرابة الآن بين الناس، ولكن الداعي تتوجه إليه الأنظار في غرابة؟ الشيخ: الآن والحمد لله لا غرابة لذلك في بلادنا فالداعي يدعو، والمصلي يصلي، والمتصدق يتصدق، والعابد يعبد الله، وليس في ذلك غرابة، ولكن قد يوجد في بعض بلاد المسلمين من يستغرب أكثر من يصلي مع الجماعة، ويستغرب من يتصدق الآن، فالغرابة معناها الشيء الغريب، كالرجل الذي ليس من أهل الوطن يعتبر غريباً، والغربة عندنا في بلادنا والحمد لله ليست موجودة، لا في الدعوة ولا في الصلاة.

وأما مسألة نظرة الناس إليه، فالناس ينظرون إلى المتصدق كثيراً، والذي يصلي ينظرون إليه كثيراً، ويحترمونه وهكذا.