إنكار المنكر واجب، والمنكر إذا فُعِل ظاهراً فإنه يُنْكَر على صاحبه ظاهراً، فلو رأينا إنساناً يفعل معصية أمامنا فإننا ننكر عليه؛ لكن يجب علينا استعمال الحكمة، فقد لا يكون من المصلحة أن أنكر عليه ظاهراً؛ كأن يسبب ذلك الإنكار نفور هذا الرجل وعدم قبوله، أو قد يكون هذا الرجل من المسئولين، فإذا أنكرت عليه ظاهراً لم يقبل، أو ربما يكون لأمور أُخَر.
المهم على كل حال: ما فُعل من المنكر ظاهراً فالواجب الإنكار على صاحبه ظاهراً؛ لكن قد تعْرِض مصلحة أكبر من الإنكار ظاهراً، والواجب اتباع المصلحة.
وأما الإنكار على فاعل المنكر وهو غائب فهذا لا يجوز؛ لأن ذلك غِيبة له -في الواقع- مثل رجل عرفتَ أنه زنا والعياذ بالله، وهو ليس بحاضر حتى تنكر عليه، بل غائب، وإنكارك عليه معناه: غيبتك إياه، والغيبة من كبائر الذنوب.
لا يحل للإنسان أن يغتاب أخاه، فضلاً عمَّا إذا كان اغتيابه يترتب عليه شر كبير، كاغتياب العلماء، واغتياب الأمراء، فإن في ذلك مفسدة عظيمة؛ لأن اغتياب العلماء يحط من قدرهم، ومن قدر ما بلَّغوه من شريعة الله، واغتياب الأمراء يحط من قدرهم ومن هيبتهم بين الناس، فيضيع الأمن، وتختل الجماعة.
ولهذا من الخطأ ما يتناقله الناس من هذه الأوراق التي تأتي من الخارج فيها القدح في ولاة الأمور، وربما يكون كذباً أيضاً، فإن هذا من الغيبة، ومن التعاون على الإثم والعدوان، والموزِّع لها آثمٌ وفاعل كبيرة؛ مع أن هذا ليس كما لو اغتاب واحداً من الشارع، فهذا يؤدي إلى أن تتحمل القلوب من بغضاء ولاة الأمور والحقد عليهم ما يوجب تفرُّق الأمة في المستقبل، ويوجب شروراً كثيرة.
لهذا ننهى إخواننا -نصيحةً لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم- أن يتناقلوا مثل هذه الأوراق، بل عليهم أن يحرقوها ولا ينشروها بين الناس، ومن أراد إدْلاء النصيحة فالواجب عليه أن يصل إلى المنصوح من طريق محدد معين، لكي تحصل به الكفاية.